باب
اختلف القائلون بالعموم فيه على أربعة أقوال:
رأيت عن أبي الحسن الكرخي، وكثير من كبار شيوخنا: أن العام إذا خص منه شيء وجب الوقف فيه حتى يأتي البيان من غير إسناد إلى السلف.
ونص أبو الحسن الكرخي أنه شيء أقوله من عندي، وعلى هذا القول يجب أنه يثبت منه أخص الخصوص إذا كان معلوماً.
وقال بعضهم: إن خص منه شيء مجهول فالجواب على هذا، وإن خص منه شيء معلوم بقي الباقي على عمومه على ما كان قبل التخصيص.
وقال بعضهم: إن خص منه شيء مجهول لم يثبت به الخصوص.
قال القاضي أبو زيد رحمه الله: والذي ثبت عندي من مذهب السلف أنه يبقى على عمومه بعد التخصيص في الفصلين جميعاً، ولكن غير موجب للعلم قطعاً كما قاله الشافعي قبل الخصوص.
أما أبو الحسن الكرخي فإنه احتج بأن العام إذا خص منه شيء زالت حقيقته وصار مجازاً، ومجازه في إرادة المتكلم البعض منه، وذلك البعض مجهول فلم يبق حجة كما في قوله تعالى: {وما يستوي الأعمى والبصير} فإنه لما امتنع القول بعمومه وجب الوقف فيه على ما يأتيك بيانه.
ولأن التعميم فيما بقي حقيقة والكلام لا يشتمل قط على الحقيقة والمجاز بخلاف الكلام إذا استثني منه شيء معلوم فإن الباقي يبقى على عمومه، لأن المستثنى بالنص غير داخل تحت الجملة نصاً، ويصير كأنه ما تكلم إلا بالباقي بعده، والباقي بعده كله ثابت على حقيقته إلا أن تكون أخص الخصوص معلوماً فيجب القول به لزوال الجهالة.
ولأن دليل الخصوص في حق حكم النص بمنزلة الاستثناء لأنه تبين أن الثابت من حكمه ما بعده، وإن فارق الاستثناء في صيغة اللفظ على ما نبين.
وإذا صار في الحكم كالاستثناء قلنا: إن كان دليل الخصوص مجهولاً لا يوجب جهالة ما بقي حكماً فيصير كاستثناء بعض مجهول، وكذلك إن كان دليل الخصوص معلوماً لأنه يحتمل أن يكون معلولاً بعلة موجبة أكثر مما يوجبه النص فيتضمن جهالة على