ولأن الله تعالى خاطبنا بلسان العرب فيلزمنا فيه ما يتفاهم من خطابنا فيما بيننا وفيما بينا لو قائل: أعط هؤلاء الفقراء مئة درهم وهم مئة فهم منه تفريق المئة عليهم على السواء، كما لو قال: اعط كل واحد منهم درهماً.

ولو قال: لا تعتق عبدي سالماً، ثم قال: اعتق البيض من عبيدي، ومنهم سالماً دخل تحت الأمر العام وارتفع النهي الخاص به فثبت أن العام والخاص، سواء في خطابنا فيما بيننا فكذلك في خطاب الشرع وإن الإرادة التي هي موهمة ليس لها عبرة حتى تنص عليها أو تثبت بدلالة أخرى ظاهرة.

فإن قيل: إن تخصيص العام بالقياس جائز، وكذلك حمل الخاص على مجازه بالقياس جائز، وما يجوز تركه رأساً بالقياس ولو كان العموم ثابتاً قطعاً لما جاز تبديله بالقياس كترك الكل.

قلنا: عندنا لا يجوز تخصيص العام ابتداء بالقياس، ولا الحمل على المجاز، وإنما يجوز بيان العموم بالقياس إذا ثبت خصوصه بدلالة يجوز رفع الكل بها من خبر ثابت تأيد بالإجماع أو بالاستفاضة في السلف أو بالإجماع نفسه ثم وقع الإشكال في حادثة إنها من جنس ما دخل تحت الخصوص، أو من جنس ما بقى تحت العموم فيعرف ذلك بالقياس لأن حكمها في نفسها قبل القياس عن ثابت قطعاً لظهور دليل الخصوص، واحتمال الحادثة في نفسها أن تكون داخلة تحت الخصوص وإنا وإنما ألغينا الباطن واحتماله دون الظاهر واحتماله لعموم النص بعد الخصوص، فيبقى عندنا على حكم عمومه. قيل: الخصوص عند الشافعي على ما بينا في بابه بعد هذا.

فإن قيل: في إثبات المعارضة بين الخاص والعام إذا لم يعلم التاريخ ألغي الحكم الخاص أصلاً ولبعض العام بقدر المعارضة بين العام والخاص، وفي نسخ الخاص بالعام إذا تأخر العام رفع الخاص بأصله وفي ترتيب العام على الخاص عمل بالخاص في الحالين كله حقيقة وبالعام بما بقى مجازاً والأصل في النصوص إنما يعمل بها ما أمكن فكان هذا الوجه أولى.

قلنا: نعم يجب العمل بها ما أمكن ولا إمكان لما ذكرنا أن موجب العام في كل ما دخل تحته بمنزلة موجب الخاص فيما دخل تحته فلا يثبت ترجيح الخاص على العام مع التساوي في قدر ما تعارضا فيه، وإذا لم يثبت الرجحان بطل الترتيب وسقط هذا الإمكان الذي يشير إليه.

أرأيت قائلاً لو قال: إني أعمل بحقيقة العموم وأحمل الخاص بالعموم على ما ضرب من المجاز أكان ذلك مقبولاً منه؟ لا، فكذلك منك إذا قلت: إني أحمل العموم على الخصوص وهو مجازه ليمكنني العمل بحقيقة الخاص وكل واحد من هذين القولين

طور بواسطة نورين ميديا © 2015