تقابلهما تقابل سلب وإيجاب باتفاق العقلاء، فإذا انتفى أحدهما لزم ثبوت الآخر، فإذا قيل ليس بموجود، لزم أن يكون معدوماً، وإذا قيل ليس بمعدوم لزم أن يكون موجوداً، فلا يمكن نفيهما معاً ولا إثباتهما معاً.

الوجه الثاني: أن قولهم في الجماد: إنه لا يقبل الاتصاف بالحياة، والموت، والعمى، والبصر، والسمع، والصمم ... ونحوها مما يكون تقابله تقابل عدم، وملكه قول اصطلاحي لا يغير الحقائق، مردود بما ثبت من جعل الجماد حياً، كما جعل الله عصا موسى حية تلقف ما صنعه السحرة، وقد وصف الله تعالى الجماد بأنه ميت في قوله: {وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ، أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} [النحل: 20 – 21] . وأخبر أن الأرض يوم القيامة تحدث أخبارها - وهي ما عمل عليها من خير وشر - وهذا يستلزم سمعها لما قيل ورؤيتها لما فعل.

الوجه الثالث: أن الذي يقبل الاتصاف بالكمال أكمل من الذي لا يقبله، فما يقبل أن يوصف بالعلم، والقدرة، والسمع، والبصر - ولو كان خالياً منه - أكمل مما لا يقبل ذلك، فقولكم إن الرب لا يقبل أن يتصف بذلك يستلزم أن يكون أنقص من الإنسان القابل لذلك حيث شبهتموه بالجماد الذي لا يقبله.

الوجه الرابع: أنه إذا كان يمتنع انتفاء الوجود والعدم، فانتفاء عدم قبول ذلك أشد، وعلى هذا يكون قولهم: إن الرب لا يقبل الاتصاف بالوجود والعدم مستلزماً لتشبيهه بأشد الممتنعات.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015