ففي الوجود إذن موجودان: أحدهما: أزلي واجب الوجود نفسه.

الثاني: محدث ممكن الوجود، موجود بغيره.

ولا يلزم من اتفاقهما في مسمى الوجود أن يتفقا في خصائصه، فإن وجود الواجب يخصه، ووجود المحدث يخصه:

وجود الخالق: واجب أزلي ممتنع الحدوث، أبدي ممتنع الزوال.

ووجود المخلوق: ممكن حادث بعد العدم قابل للزوال.

فمن لم يثبت ما بينهما من الاتفاق والافتراق لزمه أن تكون الموجودات كلها إما أزلية واجبة الوجود بنفسها أو محدثة ممكنة الوجود بغيرها، وكلاهما معلوم الفساد بالاضطرار1.

الثالث: أن إنكارهم الإثبات والنفي يستلزم نفي النقيضين معاً وهذا ممتنع، لأن النقيضين لا يمكن اجتماعهما ولا ارتفاعهما، بل لابد من وجود أحدهما وحده، فيلزم – على قياس قولهم – تشبيه الله بالممتنعات لأنه يمتنع أن يكون الشيء لا موجوداً ولا معدوماً، ولا حياً ولا ميتاً، إلا أمراً يقدره الذهن ولا حقيقة له، ووصف الله سبحانه بهذا - مع كونه مخالفاً لبداهة العقول - كفر صريح بما جاء به الرسول.

فإن قالوا: نفي النقيضين ممتنع عما كان قابلاً لهما، أما ما كان غير قابل لهما - كالجماد الذي لا يقبل الاتصاف بالسمع والصمم - فإنه يمكن نفيهما عنه فيقال: ليس بسميع ولا أصم.

قلنا: فالجواب من أربعة أوجه:

الوجه الأول: أن هذا لا يصح فيما قالوه من نفي الوجود والعدم؛ فإن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015