غلظ واشتد مستوياً أمن أن يعوج بل لا يمكن تعويجه، وإن ترك حتى يعوجَّ فيصلب على عوجه لم يمكن تثقيفه كما قال الشاعر:
يقوَّم بالثقاف العود لدْناً ... ولا يتقوَّم العودُ الصليبُ
على هذا الوجه قال الله تعالى: (إن الحسنات يذهبن السيئات) وقال تعالى: (ويدرأون بالحسنة السيئة) وقد توهم قوم أن لا أثر للتأديب والتهذيب فإن الناس مجبولون على طبائع لا سبيل إلى تغييرها، فمنهم أخيار بالطبع، ومنهم أشرار بالطبع واستدلوا بقول الله تعالى: (قل كلٌّ يعمل على شاكلته) وقوله تعالى: (فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله) فنبه الله بهذا المعنى على إن كل إنسان على حال لا سبيل إلى تغييرها. وقول النبي صلى الله عليه وسلم: كلٌّ ميسر لما خلق له ". وقوله عليه السلام: " فرغ ربكم من الخَلْقِ واَلْخلُقِ والرزق والأجل ". وبقوله تعالى: (ولقد اصطفيناه في الدنيا وأنه في الآخرة لمن الصالحين) وقوله: (إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار وأنهم عندنا لمن المصطفين الأخيار) وقوله: (ولقد اخترناهم على علم على العالمين) والناس وإن تفاوتوا في أصل الخلقة فما أحد إلا وله قوة على اكتساب قدر ما من الفضيلة ولولا ذلك لبطلت فائدة الوعظ والإنذار والتأديب.