الغذاء والتشكي من الآلام بالبكاء، وببديهية العقل يعرف مبادي العلوم، وبالفكر يتوصل إلى استنباط المجهول بالمعلوم، فهو إن خلق عارياً من المعارف التي جعلها الله تعالى للحيوانات بالإلهام، ومن الملابس والأسلحة التي جعلها لها بالتسخير، فقد جعل للإنسان قوة التعلم بالعقل والفكر وتحصيل الملابس والأسلحة والآلات المختلفة، ووكله إلى نفسه من الإستفادة، ومكنه من ذلك، وذلك فضيلة لا نقيصة ورفعة لا ضعة فإنه بإعطائه العلم والعقل واليد العاملة قد أعطاه كل شيءٍ، ولو أُعطي كل شيءٍ حسب ما أعطي البهائم شيئاً فشيئاً لكان قد منع كلَ شيءٍ لأن بعضه كان يمنعه عن استعمال البعض. وإلى تمكن الإنسان من تحصيل ما يريده أشار الله تعالى بقوله: (والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون) وقد ظن قوم أن الله تعالى خلق الناس من بين الحيوان خلقاً منقوصاً إذ لم يعطوا سلاحاً يدفعون به عن أنفسهم كما أعطى كثيراً من الحيوان أسلحة كالأنياب والمخالب، إذ لم يكفهم لباسهم كما كفى الحيوان بل قد أحوجهم إلأى تطهير البدن وقد أغناها عنه، قالوا ولذلك قال الله تعالى: (وخُلق الإنسان ضعيفاً) . وليس كذلك والصحيح عند المخلصين أن الإنسان وإن كان ضعيفاً بالإضافة إلى الباري تعالى وإلى الملإِ الأعلى فليس يقصر عن الحيوان جميعه من جهة ما ظنوه، فإن الله تعالى بحكمته البارعة أعطى كل واحد من الحيوان سلاحاً بقدر ما علم من مصلحته، فبعض جعل له آلة الهرب كالعدو، وبعض جعل له رمحا