فقال ابن عباس: وما لكم ولهذه! انما دعا النبي صلى الله عليه وسلم يهود، فسألهم عن شيء فكتموه إياه، واخبروه بغيره، فاروه ان قد استحمدوا اليه بما اخبروه عنه فيما سألهم، وفرحوا بما أوتوا من كتمانهم، ثم قرا ابن عباس: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ (?) حتى قوله: (يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا) (?) فلم يزل الاشكال الا بمعرفة سبب النزول.
ولولا بيان اسباب النزول لأباح الناس لأنفسهم التوجه فى الصلاة الى الناحية التي يرغبون فيها، عملا بالمتبادر من قوله تعالى: وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ واسِعٌ عَلِيمٌ (?) .
فإذا قرانا تفسير مقاتل (?) رأينا انها نزلت فى ناس من الْمُؤْمِنِين كانوا فِي سفر، فحضرت الصَّلاة فى يوم غيم، فتحيروا، فمنهم من صلى قبل المشرق، ومنهم من صلى قبل المغرب، وذلك قبل أن تحول القبلة إلى الكعبة، فَلَمَّا طلعت الشمس عرفوا أنهم قَدْ صلوا لغير القبلة، فقدموا المدينة، فأخبروا النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِك، فأنزل اللَّه عَزَّ وَجَلّ: وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ واسِعٌ عَلِيمٌ.
قال مقاتل: وأنزل اللَّه عَزَّ وَجَلّ: لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ ... الى آخر الآية (?) .
ولولا بيان اسباب النزول لظل الناس الى يومنا هذا يبيحون تناول المسكرات وشرب الخمور، أخذا بظاهر قوله تعالى: لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا (?) .. فقد «حكى عن عثمان بن مطعون وعمرو بن معد يكرب انهما كانا يقولان: الخمر مباحة، ويحتجان بهذه الآية. وخفى عليهما سبب نزولها فانه يمنع من ذلك، وهو ما ذكره مقاتل (?) وغيره: من انه لما نزل تحريم الخمر