يقول الله تبارك وتعالى: {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النور:2] : خص الله عز وجل الشاهدين بكونهم من أهل الإيمان، ولذلك اختلف العلماء رحمهم الله في أمر الله عز وجل بشهود حد الزنا للطائفة: فمن العلماء من قال: إن المراد بذلك أن يرتدع الناس وينزجروا عن إصابة حد الزنا، فمن وقف على زان أو وقف على زانية يقام عليهما الحد، فإن ذلك أبلغ في زجره وخوفه من الله عز وجل، ولذلك قالوا: السعيد مَن وُعظ بغيره، والشقي مَن شقي في بطن أمه، فالسعيد من اتعظ بغيره فرأى النكال والعقوبة بإساءته، فاجتنب الإساءة التي توجب الوقوع في مثل تلك العقوبة، ولذلك بين الله تبارك وتعالى حينما أوقع عذابه بمن كفر وطغى وبغى، فقال تعالى بعد أن بين ذلك: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُوْلِي الأَبْصَارِ} [آل عمران:13] إلى غير ذلك من الآيات التي بين الله تبارك وتعالى فيها، أن مَن كان له قلب يعي به أو فهم يتدبر به يرتدع برؤيته لما يحصل لغيره وينكف وينزجر، ولذلك قال العلماء: إن شهود الناس للحدود يمنعهم من الوقوع بها، ويدعوهم إلى الانكفاف والبعد عن أسبابها الموجبة للتلبس بها، وقال بعض العلماء: إن قوله تعالى: (وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) أمر الله عز وجل بشهود هذه الطائفة، والمراد: أن يكون أبلغ في أذية الزاني والزانية، فيُشْتَهر زنا كل واحد منهما عند الناس، فيكون ذلك أبلغ في إيلامهما، وكذلك أبلغ في زجرهما وحذر الناس منهما على أعراضهم، فهذا مِن مقصود الشرع.
والذي يظهر -والعلم عند الله- أن الحكم بوجوب شهادة حد الزنا أنه يشمل الأمرين: - أن فيه زجراً للناس عن التلبس بحدود الله ومحارمه.
- وكذلك فيه تكفير وإيلام للشخص الذي ارتكب الجريمة.
فلما وُجدت الفائدتان، ووجدت المصلحتان وترتبا على هذا الحد فلا مانع من القول بأن وجوب شهادة الحد المراد به كلا الأمرين، ولا يُخص شيءٌ منهما لعدم ورود النص الذي يدل على التخصيص، فالأمر محتمل لكلا الوجهين.
وقوله تعالى: (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) يُخرج غير المؤمنين، ولذلك كان بعض الأخيار إذا رأى الحد يقام لم يفته، ويدعو أصحابه إلى رؤيته، كل ذلك من أجل أن يتعظوا ويكون زاجراً لهم.