المسألة الثالثة: إذا جُلد الزاني أو جُلدت الزانية هل يجردان من الثياب أم تبقى عليهما ثيابهما؟ أما الزانية فاتفق العلماء رحمهم الله على أنها يبقى عليها من ثيابها ما يسترها؛ لأنه إنما يطلب إيلامها، وإيلامها يتأتى مع وجود الثوب عليها، ولأنه من المطلوب شرعاً حفظ عورة المرأة، فكشفها أمام الناس فضيحة وأذية لها وفتنة للناظر، وكل ذلك مخالف لمقصود الشرع الذي يراعي سد أبواب الفتنة، بل إن حد الزنا إنما شرعه الله لقفل باب الفتنة، فالقول بتجريدها موجب لذلك؛ فلذلك أجمع العلماء على عدم تجريدها، ولذلك ثبت في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لما اعترفت المرأة بزناها قال الصحابي رضي الله عنه: (فأَمَر بها فشُكَّت عليها ثيابها، وفي رواية: فشُدَّت عليها ثيابها) .
فقوله: (فشُكَّت) : أي: وُضِع الشوك في داخل العباءة حتى يكون بمثابة الخيط، حتى لا تتكشف إذا تحركت من شدة ضربها ورجمها.
وفي الرواية الثانية: (فشُدَّت عليها ثيابها) أي: أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن تُشَدَّ ثيابها عليها على وجه إذا تحركت لم يبد شيء من عورتها وأعضائها.
فهذه السنة تدل دلالة واضحة على أنه ينبغي ستر المرأة إذا أقيم عليها الحد.
أما بالنسبة للرجل فللعلماء في تجريده أقوال: القول الأول: أنه يجرد أثناء إقامة الحد عليه، وهذا هو مذهب الشافعية والمالكية، يقولون: إنه يجرد من ثوبه.
والقول الثاني: يقول بأنه لا يجرد من ثوبه، وهذا مأثور عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وأرضاه، وقال بعض السلف: إنه لا يشرع تجريد الزاني من ثوبه.
والقول الثالث: أن القاضي أو الإمام مخير، فإن شاء جرده من ثيابه إذا أراد أن يزجر الناس، وكان ذلك أبلغَ في زجره وزجرهم فإنه يشرع له أن يجرده وإلا ضربه وثيابه عليه.
ولكن ينبغي أن يُعْلَم -والذي يظهر والعلم عند الله- أنه لا يُحكم بتجريده من ثيابه إلا بدليل يدل على ذلك، اللهم إلا أن يقال: إن أمر الله عز وجل بالجَلد يدل على طلب إيلام الجِلد، وذلك إنما يكون بالتجريد أكثر مما إذا كان عليه ثوبه؛ ولكن يُجاب بأنه وإن كان عليه ثوبه فإن الألم موجود، وإيلام الجِلد ممكن، فلا وجه لزيادة ذلك بطلب تجريده، ولأنه أبلغ كذلك في أذيته والإضرار به، فهو نوع عقوبة قد تكون زائدةً لعدم وجود النص الذي يدل على ذلك، فالقول بأنه يبقى عليه من الثياب ما يستره من القوة بمكان؛ لكن ينبغي أن يستثنى من ذلك الثياب الغليظة، ولذلك قال العلماء: إذا كان له ثوبان أحدهما غليظ والآخر رقيق فإنه يجرّد عن الثوب الغليظ ويطلب منه أن يلبس الثوب الذي هو أرق منه حتى لا يكون الثوب مانعاً من وصول الضرب؛ فلذلك يشرع إزالة ما يمنع من إقامة الحد على وجهه.