وقوله تبارك وتعالى: (وَلا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى) والقريب ضد البعيد المراد به مَن قرَّبه النسب سواءً اجتمعتَ معه في أصولك أو اجتمعتَ معه من فروعك.
فمثال الأول مَن اجتمعت معه في الأصول: كالأعمام.
وفي فروع الأصول: كأعمام الأب، وما تفرع عن هؤلاء.
ومثال مَن اجتمعت معه من الفروع: مَن كان منسوباً إليك كأبنائك، وأبناء أبنائك وإن نزلوا، وكذلك فروع إخوانك وأخواتك كل أولئك من القرابة؛ لأنه تجمعك بهم رابطة تقربهم منك، وتنسبك إليهم وتنسبهم إليك.
وقوله تعالى: (أُوْلِي الْقُرْبَى) : لأن مسطح بن أثاثة رضي الله عنه كان قريباً لـ أبي بكر الصديق؛ لأنه ابن خالة لـ أبي بكر رضي الله عن الجميع، فلما آذى مسطح أبا بكر بالكلام في عائشة كان وقْعُ تلك الأذية عظيماً في قلب أبي بكر كما قال الشاعر: وظلم ذوي القربى أشد مضاضة على المرء من وقع الحسام المهندِ فأذية القريب مؤلمة؛ لأنك إذا أردت أن تنتقم منه لم تستطع لمكان القرابة والرحم، وإن سكت عنه سكت على الألم والأذية.
فمع عِظَم ما آذى به مسطح رضي الله عنه أبا بكر الصديق أمر الله تبارك وتعالى أبا بكر أن يغض الطرف وأن يصفح عنه، وأن يحتسب عند الله تبارك وتعالى في ذلك الغض والصفح.
يقول تعالى: (وَلا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ) و (المساكين) جمع مسكين، وُصِف بذلك لأنه تعلوه المسكنة، فالإنسان إذا كان ضعيفاً قليل المال فإنه تغلب عليه المسكنة والضعف، على خلاف الغني فإن الغالب فيه -إلا من رحم الله- أن يكون أشِرَاً بَطِرَاً، قال تعالى: {كَلَّا إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى} [العلق:6-7] فالإنسان إذا أصاب الغنى بَطِرَ والعياذ بالله إلا أن يرحمه الله.