قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنْ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ} [الحجرات:12] .
إشارة إلى أن المسلم لا يحق له أن يتجسس على أخيه المسلم، وأشرنا إلى الترتيب الطبيعي في ترتيب هذا الأسلوب حتى وإن رأيت من إنسان قرائن من سماع أو إشاعات، وكما سأل الأخ: ما الفرق بين الظن والشك؟ وقلنا: إن الشك وجود معرفة على وجهين متناقضين في كفتي ميزان متعادل، ويمثل علماء المنطق لذلك: إذا رأيت شخصاً من بعيد فلا تستطيع أن تجزم أكان رجلاً أو امرأة، وإن تأملت قلت: هذا رجل، وإن رجعت مرة أخرى قلت: هذه امرأة، فلم تستطع الجزم بذلك والكفتان بين الرجل والمرأة متعادلتان سواء، في هذه الحالة يكون إدراكك للشاخص شك لأنك لم ترجح أحد الجانبين، فإذا تعادل طرفا العلم بمعلوم فإن هذا العلم شك، ولكن إذا دنا الشاخص منك قليلاً ثم تبين لك أنه رجل، وأصبح عندك عشرة في المائة ترجح أنه رجل؛ حينئذ هذا الجانب الذي رجح ونزلت كفته عشرة في المائة يعتبر ظناً، والكفة المرجوحة التي نقص الإدراك فيها عشرة في المائة يعتبر وهماً، فالظن أحد الجانبين الذي رجح بعد أن كان شكاً متعادلاً، فإذا انتهى الوهم، وكان العلم لجانب واحد، بأن دنا منك ورأيته بملابسه وتأكدت (99%) ونصف أنه رجل، والنصف الباقي احتمال أن تكون امرأة تلبس ملابس الرجل، لكن تأكد عندك أنه رجل، حين ذلك يكون علماً، والعلم مراتب: علم اليقين، وعين اليقين، وحق اليقين، فعلم اليقين الذي لا يقبل وهماً يطرأ عليه، ويمثلون بأن مسلمي روسيا أو واشنطن يتوجهون في صلاتهم إلى الكعبة، فهو يعتقد ويعلم بوجود الكعبة، فإذا قدر لهذا الإنسان أن جاء إلى مكة ووصل إلى المسجد الحرام ووقف عند الباب، ورأى البنية في وسط المسجد، فقال: ما هذه؟ قيل له: الكعبة، فهل يكون علمه وهو واقف في باب المسجد كعلمه وهو في بلده؟ لا.
فعلمه علمه بها وهو يراها بعينه أقوى من علمه بها وهو في بلده، ثم جاء وطاف حولها زاد علماً، ثم فتحت الكعبة ودخل الناس ودخل معهم وصلى في جوف الكعبة، فعلمه بالكعبة هو في جوفها أقوى من علمه وهو واقف في الباب، هذا هو حق اليقين.