قال الله تعالى: (وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ) ، اللمز -كما يقولون- التعريض بالكلمات، والغمز بالعين، وفي الحديث: (انتظرت لعل أحدكم قام يضرب عنقه، قالوا: هلا غمزت لنا؟ قال: ما كان لنبي أن تكون له خائنة الأعين) الأنبياء صرحاء في مقالاتهم لا يأتون بالغمز ولا باللمز.
ومجيء النهي: (وَلا تَلْمِزُوا) ؛ لأن من سخر من إنسان في نفسه لمزه بلسانه عند غيره، فهذا مترتب على ذاك، وهذا من الإعجاز القرآني والسبك في الأسلوب، وترتيب الأحداث بعضها على بعض.
وهل الإنسان يلمز نفسه؟ يقول العلماء: نعم، وهذا بوجهين: الوجه الأول: كما في قوله: {وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ} [النساء:29] ، لا أحد يقتل نفسه إلا المنتحر والعياذ بالله.
حينما تلمز أخاك المسلم فكأنما لمزت نفسك؛ فأنت وهو شيء واحد، والأمة الإسلامية كلها كالجسد الواحد، (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد) ، أو كالبنيان المرصوص بعضه يربط بعضاً، فلما كان الإسلام يعتبر الأمة كياناً واحداً؛ فمن لمز فرداً من الأفراد فقد حمل نفسه في عموم الوحدة الإنسانية باللمز الذي طرأ على غيره، وهذا غاية الترابط والتراحم والتآلف.
الوجه الثاني: لا تلمز إنساناً ولو كان بشيء واقع فيه، ولا يرضاه، فسيلمزك بمقابل هذا سواء كان فيك أم لا، صدقاً أو كذباً؛ انتقاماً لنفسه وانتصاراً لشخصه؛ فتكون أنت قد لمزت نفسك بلمزك أخاك، كما قال الله: {وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام:108] هذا سداً للذريعة، وجاء في الحديث: (لا يسب الرجل أباه ولا أمه، قيل: أو يسب أحد أباه أو أمه؟ قال: نعم، يسب أبا الرجل فيسب الرجل أباه، ويسب أمه فيسب أمه) ، فيكون هو المتسبب في سب أبيه وأمه.
وعلى كلا المعنيين -وكلاهما جليل- على الإنسان أن يتحفظ من ذلك.