أيها الإخوة! في هذه الآونة قد نسمع ونرى الكثير مما لا ينتهي منه العجب؛ من أن بعض الأشخاص يكون قد بدأ في طلب العلم ولم يبلغ به شأواً، فإذا به ينصب نفسه للفتوى فيما علِم أو لم يعلم، وما عَلِمَه فلا ندري أيكون علمه فيه صحيحاً أو غير صحيح! ويا ليتهم يقفون عند ذلك في حق أنفسهم، بل يتعدى ذلك إلى الآخرين، فيفتون الآخرين بما يعلمون أو لا يعلمون، ثم يتعدى ذلك إلى أن يعيبوا من يخالف ما هم عليه وإن كانوا هم محدودي العلم والتحصيل وغيرهم أوسع علماً وأكثر تقوى لله وأكثر تحصيلاً، وأدعى أن يتبع من غيره، وهم أيضاً لا يتورعون أن يبدِّعوا من خالفهم، أو أن يبدعوا من قال بغير قولهم.
وإنا والله لنحزن لذلك، ونسأل الله تعالى لنا ولهم الرجوع إلى كتاب الله، وإلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ينقل ابن عبد البر في كتاب جامع بيان العلم وفضله عن الشافعي رحمه الله: لا يحق للقاضي أو المفتي أن يقضي أو يفتي إلا إذا عرف حكم الله في كتاب الله وأقوال أهل التأويل في تأويله، وعلم سنة رسول الله وأقوال العلماء فيها، والإجماع والقياس، والخلاف إن وجد وما اختلفوا فيه.
فيا أيها الإخوة! تلك الشروط وهذه المعايير التي ذكرتها عن الشافعي يجب أن تتوفر فيمن نصب نفسه للإفتاء لأنه ليس بالأمر الهين، وإن من عوفي ولم يكلف ذلك من ولي الأمر، ينبغي أن يحمد الله إذ لم يلزم بالإفتاء، وعليه ألا يحمل نفسه ما لا طاقة له به.