لا يحق للمسلمين جميعاً ولو اجتمعوا أن يتقدموا على رسول الله بآرائهم ويتركوا رأي رسول الله، ولا يجوز لهم أن يقدموا بين يديه الاقتراحات لأنها مهما كانت فهي نتائج وحصائد عقولهم، أما هو صلى الله عليه وسلم فإنه لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى.
{لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [الحجرات:1] ، أي: كما قدم عمر، وكذلك الصحابة الذين تأخروا يريدون حلولاً أخرى، وقد أبرم صلى الله عليه وسلم الصلح الذي هو فتح مبين.
{وَاتَّقُوا اللَّهَ} [الحجرات:1] ، هذه الآية الكريمة تأديب للأمة كلها في شخصيات أصحاب رسول الله فيما يتعلق بحق التشريع، فإنه لله ولرسوله، فالمعنى: لا تتقدموا بشيء على ما جاء من عند الله في كتاب الله، ولا على ما جاء في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولو أن العالم الإسلامي وقف عند هذه الآية وحقق مدلولها لكفاه ذلك، لأنه لا يحق للمسلمين ولو اجتمعوا أن يشرعوا شيئاً من عقولهم ما دام كتاب الله ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرهم.
ولا يحق لأحد أن يتقدم بعمل يرجو ثوابه، ولا بعمل يخشى في تركه عقابه، إلا إذا كان لله ولرسوله، ومن هنا نبه صلى الله عليه وسلم على ذلك بقوله: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) ، بمعنى أنه مردود عليه، فمهما كان العبد، ومهما كان المسلم، ومهما كان المسلمون جميعاً في عقولهم وذكائهم وفطنتهم، ونظرهم في المصالح، وادعائهم أي دعوى كانت؛ فليس لهم حق أن يرتقوا إلى منصب التشريع، ولا أن يتقدموا بأمر من الأمور إلا إذا كان عليه أمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم.
وقوله: (ليس عليه أمرنا) ، لأن أمره من أمر الله: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} [النساء:80] ، و {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران:31] .
إذاً: هذه الآية الكريمة في مستهل هذه السورة الكريمة فيها تأديب للأمة، وتعريف لهم بالحق الواجب عليهم، من حيث الاتباع وحق التشريع، ولا يحق للعالم بأسره أن يشرع ما لم يأت به الله ولا رسوله، ويكفي ذلك تنبيهاً على كل تشريع من شرق أو غرب، من حضارة أو مدنية أو غيرها، فكل ذلك إن لم يكن تابعاً وموافقاً لكتاب وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فهو مردود.