قال الله تعالى: {أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ} [الحجرات:2] ، العمل لا يحبطه إلا الردة عياذاً بالله، فمن ارتد عن الإسلام حبط عمله، كما قال الله: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمر:65] ، وحاشاه أن يشرك، ولكن هذا خطاب للأمة في شخصيته.
فيقول العلماء: مجرد رفع الصوت عند رسول الله لا يحبط العمل، وقد كان ثابت بن قيس وهو خطيب رسول الله ثقيل السمع فكان يرفع صوته عند رسول الله، وله قصة وذلك أنه لما نزلت الآية دخل بيته وقال لزوجته: سمري علي الباب لقد كنت أرفع صوتي عند رسول الله، فقد حبط عملي وأنا من أهل النار، فافتقده رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد يومين، فسأل عنه، فقال جار له: أنا آتيك بخبره، فدخل عليه: يا ثابت أين أنت؟ قد افتقدك رسول الله، لماذا غبت عنه؟ قال: ألم تعلم ما أنزل الله في رفع الصوت عند رسول الله، وأنا رجل جهوري الصوت قد حبط عملي وأنا من أهل النار.
فعاد الرجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره بالجواب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بل هو من أهل الجنة) .
فلما أخبره قال: اكسر الباب، وخرج وأتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم واستشهد وكان من أهل الجنة.
فيقول العلماء: إحباط العمل بأن يرفع صوته وهو يرى أن لنفسه حقاً، أو يرى لنفسه ما يستوجب ذلك، ولربما خطر بباله شيءٌ في شخصية رسول الله بأن يرفع صوته عنده بلا مبالاة، فيكون عندها إحباط العمل.
(وأنتم لا تشعرون) : بذلك لأنه أمرٌ خفي ودقيق جداً، ولهذا يقول سبحانه: {لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ} [الحجرات:2] ، بما عساه أن يخطر ببال الواحد منكم في حق رسول الله.
وقد سأل رجلٌ مالكاً رحمه الله وقال: أريد أن أحرم من هذا المسجد -والرسول صلى الله عليه وسلم أحرم من ذي الحليفة- فقال له مالك: لا تفعل.
قال: لماذا؟ قال: أخشى عليك الفتنة.
قال: وأي فتنة، إنما هي خطوات أزيدها على ميقات رسول الله.
قال: أخشى أن يخطر في بالك أنك زدت خطوات لم يخطها رسول الله في إحرامه، فتظن أن إحرامك خير من إحرام رسول الله فتفتن في دينك.
وهكذا دقة الملاحظة أيها الإخوة، وبالله تعالى التوفيق.