وورد في الخبر النبويّ، حين سُئل عن الدنيا، فقال: "دنياك ما يشغلك عن ربك". قيل: الشر (?) كله في بيت واحد، ومفتاحه حب الدنيا. وما أحسن من شبهها بخيال الظل حيث قال:
رَأَيْتُ خَيَالَ الظِّلِّ أَعْظَمَ عِبْرَةٍ ... لِمَنْ كَانَ فِيْ عِلْمِ الْحَقَائِقِ رَاقِيْ
شُخُوْصٌ وَأَصْوَاتٌ يُخَالِفُ بَعْضُهَا ... لِبَعْضٍ وَأَشْكَالٌ بِغَيْرِ وِفَاقٍ
تَمُرُّ وَتَقْضِي أَوْبَةً بَعْدَ أَوْبَةٍ ... وَتَفْنَى جَمِيْعًا وَالْمُحَرِّكُ بَاقِيْ
والمعنى: أي وما هذه الحياة الدنيا التي يتمتع بها هؤلاء المشركون، إلا شيء يتعلل به، ثم هو منقض عما قريب، لا بقاء له ولا دوام، ومن ثم قيل: الدنيا إن بقيت لك لم تبق لها، وأنشدوا:
تَرُوْحُ لَنَا الدُّنْيَا بِغَيْرِ الَّذِيْ غَدَتْ ... وَتَحْدُثُ مِنْ بَعْدِ الأمُوْرِ أُمُوْرُ
وَتَجْرِيْ الليَالي بِاجْتِمَاعٍ وَفِرْقَةٍ ... وَتَطْلُعُ فِيْهَا أَنْجُمٌ وَتَغُوْرُ
فَمَنْ ظَنَّ أَنَّ الدَّهْرَ بَاقٍ سُرُوْرُهُ ... فَذَاكَ مُحَالٌ لَا يَدُوْمُ سُرُوْرُ
عَفَا الله عَمَّنْ صَيَّرَ الْهَمَّ وَاحِدًا ... وَأَيْقَنَ أنَّ الدَّائِرَاتِ تَدُوْرُ
{وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ} أي: وإن الحياة الثانية {لَهِيَ الْحَيَوَانُ}؛ أي: لهي الحياة الدائمة، التي لا موت فيها، ولا زوال ولا انقطاع {لَوْ كَانُوا}؛ أي: لو كان هؤلاء المشركون {يَعْلَمُونَ} أن الحياة المعتبرة هي حياة الآخرة .. لما آثروا عليها الحياة الدنيا، السريعة الزوال، الوشيكة الاضمحلال.
وقيل المعنى (?): وإن الدار الآخرة لهي الحياة الدائمة الخالدة، التي لا موت ولا فناء فيها، ذهب المفسرون إلى أن معنى الحيوان هنا: الحياة، وأنه مصدر بمنزلة الحياة، فيكون كالنزوان، والغليان، واللهيان، والجولان، والطوفان، وقد قيل في شأن الدنيا:
أَحْلاَمُ نَوْمٍ أَوْ كَظِلٍّ زَائِلٍ ... إِنَّ اللَّبِيْبَ بِمِثْلِهَا لَا يُخْدَعُ