والربيع بن خثيم، وزيد بن علي: {لنثوينهم} بالثاء المثلثة الساكنة، مكان الباء الموحدة بعد النون، وياء مفتوحة بعد الواو المكسورة المخففة، من الثواء، وهو: الإقامة؛ أي: لنقيمنهم وننزلنهم منزلًا يقيمون فيه.
وقرأ الباقون: {لَنُبَوِّئَنَّهُمْ} بالباء الموحدة من المباءة؛ أي: لنجعلن لهم مكانًا مباءةً؛ أي: مرجعًا يأوون إليه، وبوأ: يتعدى لاثنين، قال تعالى: {تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ}.
وروي عن ابن عامر: {غرفًا} بضم الراء، وقرأ ابن وثاب [فنعم] بالفاء. والجمهور: بغير فاء.
59 - ثم بين صفات هؤلاء العاملين، الذين استحقوا تلك الجنات بقوله: {الَّذِينَ صَبَرُوا} على مفارقة أوطانهم والهجرة، وجميع المشاق، من امتثال الأوامر واجتناب المناهي، والموصول: صفة لـ {الْعَامِلِينَ}، أو نصب على المدح.
{وَعَلَى رَبِّهِمْ} لا على غيره {يَتَوَكَّلُونَ}؛ أي: يعتمدون في أمورهم دينًا ودنيا؛ أي: يفوضون أمورهم إليه تعالى في كل إقدام وإجحام.
وهذا التوكل من قوة الإيمان، فإذا قوي الإيمان .. يخرج من القلب ملاحظة الأوطان والأموال والأرزاق وغيرها، وتصير الغربة والوطن سواءً، ويكفي ثواب الله بدلًا من الكل، وفي الحديث: "من فر بدينه من أرض إلى أرض، ولو كان شبرًا .. استوجب الجنة، وكان رفيق إبراهيم ومحمد" .. - عليهما السلام -.
أما استيجابه الجنة والغرف، فلتركه المسكن المألوف لأجل الدين، وامتثال أمر رب العالمين، وأما رفاقته لهما فلمتابعتهما في باب الهجرة، وإحياء سنتهما، فإن إبراهيم - عليه السلام - هاجر إلى الأرض المقدسة، ونبينا - عليه السلام - هاجر إلى أرض المدينة، وفيه إشارة إلى أن السالك ينبغي له أن يهاجر من أرض الجاه - وهو قبول الخلق - إلى أرض الخمول.