والحاصل: أن لكل عذاب أجلًا، لا يتقدم عليه ولا يتأخر عنه، كما في قوله سبحانه: {لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ} وفي الآية (?) إشارة إلى أن الاستعجال في طلب العذاب في غير وقته المقدر لا ينفع، وهو مذموم، فكيف الاستعجال في طلب مرادات النفس وشهواتها في غير أوانها.
والمعنى: أي: ويستعجلك كفار قريش بنزول العذاب بنحو قولهم: {مَتَى هَذَا الْوَعْدُ} وقولهم: {فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} ولولا أجل مسمى ضربه الله لعذابهم لجاءهم حين استعجالهم إياه.
وجملة قوله: {وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً} مستأنفة مبينة لمجيء العذاب المذكور قبلها، ومعنى بغتة: فجأة؛ أي: وعزتي وجلالي ليأتينهم العذاب الذي عين لهم عند حلول الأجل فجأة، كوقعة بدر، فإنها أتتهم بغتة، {وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ}؛ أي: والحال أنهم لا يعلمون بإتيانه، بل يكونون في غفلة عنه، واشتغال بما ينسيهموه.
وقوله: {وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} يحتمل وجهين:
أحدهما: أنه تأكيد لمعنى قوله: {بَغْتَةً} كما يقول القائل: أتيته على غفلةٍ منه بحيث لم يدر، فقوله: بحيث لم يدر: أكد معنى الغفلة.
والثاني: يفيد فائدةً مستقلةً، وهي أن العذاب يأتيهم بغتةً، وهم لا يشعرون هذا الأمر، ويظنون أن العذاب لا يأتيهم أصلًا اهـ."كرخي".
فإن قلت (?): عذاب الآخرة ليس من قبيل المفاجأة، فكيف يأتي بغتةً؟
قلت: الموت يأتيهم بغتةً؛ أي: في وقت لا يظنون أنهم يموتون فيه، وزمانه متصل بزمان القيامة، ولذا عد القبر أول منزل من منازل الآخرة، ويدل عليه قوله - صلى الله عليه وسلم -: "من مات فقد قامت قيامته". وفي البرزخ عذاب، ولو كان نصفًا من حيث أنه حظ الروح فقط.