وفي "القرطبي": {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ} هذا (?) جواب لقولهم: {وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ}؛ أي: أولم يكف المشركين من الآيات هذا الكتاب المعجز، الذي قد تحداهم بأن يأتوا بمثله أو سورة منه فعجزوا، ولو أتيتهم بآيات موسى وعيسى .. لقالوا: هذا سحر، ونحن لا نعرف السحر، والكلام مقدور لهم، ومع ذلك عجزوا عن المعارضة اهـ.
حال كون ذلك الكتاب {يُتْلَى عَلَيْهِمْ} بلغتهم (?) في كل زمان ومكان، فلا يزال معهم آية ثابتة، لا تزول ولا تضمحل، كما تزول كل آية بعد كونها، وتكون في مكان دون مكان، فهو معجزة ظاهرة باقية، أتم من كل معجزة، وقد وصل إلى المشرق والمغرب وسمعه كل أحد، بخلاف قلب العصا ثعبانًا، فإنه لم يبق لنا منه أثر، ولم يره من لم يكن في ذلك المكان.
والمعنى: أي أما كفاهم دليلًا على صدقك، إنزالنا الكتاب عليك، يتلونه ويتدارسونه ليلًا ونهارًا، وأنت رجل أمي لا تقرأ ولا تكتب، ولم تخالط أحدًا من أهل الكتاب، وقد جئتهم بأخبار ما في الصحف الأولى، وبينت الصواب فيما اختلفوا فيه، كما قال: {أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الْأُولَى}.
ثم بين فضائل هذا الكتاب ومزاياه فقال: {إِنَّ فِي ذَلِكَ} الكتاب العظيم الشأن، الباقي على ممر الدهور والأزمان {لَرَحْمَةً} أي: نعمة عظيمة في الدنيا والآخرة {وَذِكْرَى}؛ أي: تذكرةً في الدنيا يتذكرون بها، وترشدهم إلى الحق، {لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}؛ أي: يصدقون بما جئت به من عند الله، فإنهم هم الذين ينتفعون بذلك؛ أي: لقوم همّهم الإيمان، لا التعنت كأولئك المقترحين.
والمعنى: أي (?) إن في هذا الكتاب الباقي على وجه الدهر، لرحمةً لمن