وخلاصة ما سلف (?): أنك قد لبثت يا محمد في قومك عمرًا طويلًا، قبل أن تأتي بهذا القرآن لا تقرأ ولا تكتب، وكل واحد من قومك يعرف أنك أمي لا تقرأ ولا تكتب، وهذه صفتك في الكتب المتقدمة، كما قال: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ في التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ}.
فلا وجه إذًا للشك في أن هذا القرآن منزل من عند الله، وليس مفتعلًا من صنع يدك، تعلمته من الكتب المأثورة عمن قبلك، كما حكى سبحانه عنهم من نحو قولهم: {وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (5)}.
فإن قلت (?): لم سماهم المبطلين، ولو لم يكن أميًا وقالوا: ليس بالذي نجده في كتبنا لكانوا محقين، ولكان أهل مكة أيضًا على حق في قولهم: لعله تعلمه أو كتبه، فإنه رجل قارىء كاتب؟
قلت: لأنهم كفروا به، وهو أمي بعيد من الريب، فكأنه قال: هؤلاء المبطلون في كفرهم به، لو لم يكن أميًا .. لارتابوا أشد الريب، فحيث إنه ليس بقارىءٍ ولا كاتب، فلا وجه لارتيابهم، قيل: وسماهم مبطلين؛ لأن ارتيابهم على تقدير أنه - صلى الله عليه وسلم - يقرأ ويكتب ظلم منهم لظهور نزاهته، ووضوح معجزاته.
قال في "الأسئلة المقحمة": كيف منّ الله على نبيه بأنه أمي لا يعرف القراءة والكتابة، وهما من قبيل الكمال، لا من قبيل النقص؟
والجواب: إنما وصفه بعدم القراءة والكتابة؛ لأن أهل الكتاب كانوا يجدون من نعته في التوراة والإنجيل، بأنه لا يقرأ ولا يكتب، فأراد تحقيق ما وعدهم به على نعته إياه، ولأن الكتابة في قبيل الصناعات، فلا توصف بالمدح ولا بالذم، ولأن المقصود من الكتابة والخط: هو الاحتراز عن الغفلة والنسيان، وقد خصه الله تعالى بما فيه غنية عن ذلك، كالعين بها غنية عن العصا والقائد. انتهى.