[48]

واعلم (?): أن المجادلة في الدين، تبطل ثواب الأعمال إذا كانت تعنتًا وترويجًا للباطل، وأما الجدال بالحق لإظهاره، فمأمور به، وقد جادل علي - رضي الله عنه - شخصًا قال: إني أملك حركاتي وسكناتي، وطلاق زوجتي، وعتق أمتي، فقال علي - رضي الله عنه -: أتملكها دون الله، أو مع الله؟ فإن قلت: أملكها دون الله .. فقد أثبت مالكًا دون الله، وإن قلت أملكها مع الله .. فقد أثبت له شريكًا، كذا في "شرح المواقف".

48 - ثم ذكر ما يؤيد إنزاله، ويزيل الشبهة في افترائه، فقال: {وَمَا كُنْتَ} يا محمد {تَتْلُو} وتقرأ {مِنْ قَبْلِهِ}؛ أي: من قبل القرآن؛ أي: وما كانت عبادتك يا محمد قبل إنزالنا إليك القرآن، أن تتلو تقرأ شيئًا. {مِنْ كِتَابٍ} من الكتاب المنزلة، {وَلَا تَخُطُّهُ}؛ أي: ولا أن تكتب كتابًا من الكتب المذكورة {بِيَمِينِكَ}؛ أي: بيدك، وذكر اليمين (?) لكون الكتابة غالبًا باليمين، لا أنه لا يخط بيمينه ويخط بشماله، فإن الخط بالشمال من أبعد النوادر.

قال الشيعة: إنه - صلى الله عليه وسلم - كان يحسن الخط قبل الوحي، ثم نهي عنه بالوحي، وقالوا: إن قوله: {وَلَا تَخُطُّهُ} نهي، فليس بنفي الخط.

قال في "كشف الأسرار": قرىء {ولا تخطه} بالفتح على النهي، وهو شاذ، والصحيح: أنه لم يكتب. انتهى.

وفي "الأسئلة المقحمة" قول الشيعة مردود؛ لأن {وَلَا تَخُطُّهُ} لو كان نهيًا .. لكان بنصب الطاء، أو قال: لا تخططه بطريق التضعيف.

{إِذًا}: لو كنت ممن يقدر على التلاوة والخط، أو ممن يعتادهما .. {لَارْتَابَ} وشك في نبوتك {الْمُبْطِلُون} أي: المشركون، وقالوا: لعله التقط ما يتلوه علينا من كتب الله المنزلة على الأنبياء، أو من الكتب المدونة في أخبار الأمم، فلما كنت أميًّا لا تقرأ ولا تكتب، لم يكن هناك موضع للريبة، ولا محل للشك أبدًا، بل إنكار من أنكر، وكفر من كفر مجرد عنادٍ وجحود بلا شبهة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015