على هذا القول: هم الباقون على كفرهم، وقيل: هذه الآية منسوخة بآيات القتال، وبذلك قال قتادة ومقاتل، قال النحاس: من قال: هي منسوخة، احتج بأن الآية مكيّة، ولم يكن في ذلك الوقت قتال مفروض، ولا طلب جزية ولا غير ذلك، وقال سعيد بن جبير ومجاهد: إن المراد بـ {الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ} الذين نصبوا القتال للمسلمين بالسيف، حتى يسلموا أو يعطوا الجزية.

فإن قلت (?): كيف قال: {إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا} مع أن جميع أهل الكتاب ظالمون؛ لأنهم كافرون، وقال تعالى: {وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ}؟

قلتُ: المراد بالظلم هنا: الامتناع عن قبول عقد الذمة، أو نقض العهد بعد قبوله.

{وَقُولُوا} أيها المؤمنون للذين قبلوا الجزية، إذا حدثوكم بشيء مما في كتبهم {آمَنَّا} بالصدق والإخلاص {بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا} من القرآن {وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ} من التوراة والإنجيل؛ أي: آمنّا بأنهما منزلان من عند الله تعالى، وأنهما شريعة ثابتة إلى قيام الشريعة الإِسلامية، والبعثة المحمدية، ولا يدخل في ذلك ما حرفوه وبدلوه، {وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ} لا شريك له في الألوهية، ولا ضد له ولا ند، {وَنَحْنُ} معاشر أمة محمد {لَهُ} سبحانه وتعالى، لا لغيره {مُسْلِمُونَ}؛ أي: مطيعون له منقادون خاصةً، ولا نقول: عزير ابن الله، ولا المسيح ابن الله، ولا نتخذ أحبارنا ورهباننا أربابًا من دون الله.

ويحتمل أن يراد (?): ونحن جميعًا منقادون له، ولا يقدح في هذا الوجه كون انقياد المسلمين أتم من انقياد أهل الكتاب، وطاعتهم أبلغ من طاعاتهم، وفيه تعريض الفريقين، حيث اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابًا من دون الله تعالى.

وأخرج البخاري، والنسائي، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015