الوجه أولى بالقبول مما سيأتي، وقيل: إن المنجمين في ذلك العصر أخبروه أنه يذهب ملكه على يد مولود من بني إسرائيل.
وجملة قوله: {يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ} (?) بدل من جملة {يَسْتَضْعِفُ}، ويجوز أن تكون مستأنفة للبيان، أو حالًا، والمعنى (?): أي يذبح أبناءهم حين الولادة، وقد وكَّل بذلك عيونًا تتجسس، فكلما ولدت امرأة من بني إسرائيل ذكرًا ذبحوه، ويستبقي إناثهم؛ لأنه يتوجس خيفة من الذكران الذي يتمرسون الصناعات، وبأيديهم زمام المال، فإذا طال بهم الأمد استولوا على المرافق العامة، وغلبوا المصريين عليها، والغلب الاقتصادي في بلد ما أشد وقعًا وأعظم أثرًا في أهلها من الغلب الاستئماري، ومن ثم لم يشأ أن يقتل النساء.
وروى السدي (?): أن فرعون رأى في منامه أن نارًا أقبلت من بيت المقدس حتى اشتعلت على بيوت مصر فأحرقت القبط، وتركت بني إسرائيل، فسأل علماء قومه فأخبره الكهنة أنه سيخرج من هذا البلد رجل يكون هلاك مصر على يديه، فأخذ يفعل ما قص علينا الكتاب الكريم.
قال الزجاج: والعجب من حمق فرعون! فإن الكاهن الذي أخبره بذلك إن كان صادقًا عنده فما ينفع القتل؟ وإن كان كاذبًا فلا فائدة فيه اهـ.
ولا يعنينا من أمر هذه الرواية شيء، فسواء صحت أو لم تصح، فإن السر المعقول ما قصصناه عليك أولًا.
ثم علل اجتراحه لتلك الجرائم وإزهاقه للأرواح البريئة بقوله: {إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ}؛ أي: إن فرعون (?) كان من الراسخين في التجبر والإفساد بقتل خلق كثير من المعصومين، ومن ثم سوَّلت له نفسه الخبيثة أن يفعل ما فعل من تلك الفظائع، وقتل سلائل الأنبياء بلا جريمة ارتكبوها، ولا ذنب جنوه. وقد كانت هناك وسائل عديدة ليصل بها إلى اتقاء شرور اليهود بحسب ما يزعم، وكان