[89]

والصنع (?): إجادة الفعل، فكل صنع فعل، وليس كل فعل صنعًا، أي: صنع الله ذلك صنعًا، وفعله فعلًا متقنًا محكمًا، قال في "الإرشاد": قصد به التنبيه على عظم شأن تلك الأفاعيل، وتهويل أمرها، والإيذان بأنها ليست بطريق إخلال نظام العالم، وافساد أحوال الكائنات بالكلية من غير أن تدعو إليها داعية، ويكون لها عاقبة، بل هي من قبيل بدائع صنع الله المبنية على أساس الحكمة المستتبعة للغايات الجميلة، التي لأجلها رتبت مقدمات الخلق ومبادىء الإبداع، على الوجه المتين والمنهج الرصين.

ثم علل ما تقدم من النفخ في الصور والقيام للحساب، ومجازاة العباد على أعمالهم بقوله: {إِنَّهُ} سبحانه وتعالى {خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ}؛ أي: عالم بظواهر أفعالكم وبواطنها أيها المكلفون، ولذلك فعل ما فعل من النفخ، والبعث ليجازيكم على أعمالكم، وهو الخبير المطلع على الظواهر والضمائر.

وقرأ الجمهور (?): بالتاء الفوقية على الخطاب، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وهشام بالتحتية على الغيبة، والمعنى: أي إنه تعالى ذو علم وخبرة بما يفعل عباده من خير وشر، وطاعة ومعصية، وهو مجازيهم على ذلك أتمَّ الجزاء.

89 - ثم بيَّن حال السعداء والأشقياء يومئذٍ، فقال {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ} أي: بكلمة الشهادة (?) والإخلاص فإنها الحبسنة المطلقة، وأحسن الحسنات، {فَلَهُ خَيْرٌ}؛ أي: نفع وثواب حاصل {مِنْهَا}؛ أي: من جهتها، ولأجلها، وهو الجنة، قاسم التفضيل لا يدل على المفاضلة إذ لا يوجد شيء خير من (إلا إله إلا الله)، ويجوز أن يكون اسم التفضيل على بابه إذا أريد بالحسنة غير الكلمة المشرفة من الطاعات، أيَّ طاعة كانت، والمعنى: من جاء يوم القيامة بالحسنة أيًا كانت .. فله من الجزاء والثواب ما هو خير وأفضل وأكثر منها، إذ ثبت له الشريف بالخسيس، والباقي بالفاني، وعشرة بل سبع مئة بواحدة، وقيل: المراد بالحسنة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015