يُحشر قادة سائر الأمم بين أيديهم إلى النار، وفي الحديث: "امرؤ القيس صاحب لواء الشعراء إلى النار"، ومعنى يوزعون: يُحبس أولهم على آخرهم حتى يتلاحقوا ويجتمعوا في موقع التوبيخ والمناقشة، وهو عبارة عن كثرة عددهم، وتباعد أطرافهم، كما سبق في هذه السورة في قصة سليمان عليه السلام، والمراد بالآيات بالنسبة إلى هذه الأمة الآيات القرآنية.
والمعنى: واذكر يا محمد لقومك - تحذيرًا لهم وترهيبًا - هول يوم جمعنا على وجه الإكراه من كل أمة من أمم الأنبياء جماعة كثيرة، مكذبين بكتابنا فهم يوقف أولهم حتى يجتمعوا ويتلاحقوا في موقف الحساب والمناقشة.
84 - {حَتَّى إِذَا جَاءُوا} إلى موقف السؤال والجواب والمناقشة والحساب. {قَالَ} الله سبحانه موبخًا لهم على التكذيب، والالتفات فيه لتربية المهابة كما سيأتي في مبحث البلاغة، {أَكَذَّبْتُمْ بِآيَاتِي} الناطقة بلقاء يومكم هذا التي أنزلتُها على رسلي، وأمرتُهم ببلاغها إليكم.
{وَ} الحال أنكم {لَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا}؛ أي: لم تعرفوا ببطلانها فتُعرضوا عنها، والواو للحال، ونصب {عِلْمًا} على التمييز، كما سيأتي؛ أي: أكذبتم بها بادي الرأي، جاهلين لها غير ناظرين فيها نظرًا يؤدي إلى العلم بكنهها، ولا مستدلين على صحتها وبطلانها، تمردًا وعنادًا وجراءة على الله وعلى رسله.
وفي هذا (?): مزيد توبيخ وتقريع لهم؛ لأن من كذب بشيء ولم يحط به علمًا فقد كذب في تكذيبه، ونادى على نفسه بالجهل، وعدم الإنصاف، وسوء اللهم، وقصور الإدراك، ومن هذا القبيل من تصدَّى لذم علم من العلوم الشرعية، أو لذم علم هو مقدمة من مقدماتها، ووسيلة يتوسل بها إليها، ويفيد زيادة بصيرة في معرفتها، وتعقل معانيها، كعلوم اللغة العربية بأسرها، وهي اثنا عشر علمًا، وعلم أصول الفقه، فإنه يُتوسل به إلى استنباط الأحكام الشرعية عن أدلتها