من كان قبلكم من المكذبين وديارهم، مثل الحجر والأحقاف والمؤتفكات ونحوها، {فَانْظُرُوا} بأبصاركم، وفكروا بقلوبكم {كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ}؛ أي: آخر أمر المكذبين لرسلهم بسبب التكذيب، حيث أهلكوا بأنواع العذاب؛ أي: فانظروا كيف كانت هي، ألم يخربها الله تعالى، ويهلك أهلها بتكذيبهم رسلهم، وردهم عليهم نصائحهم، فخلت منهم الديار، وعفت عنهم الرسوم والآثار، وكان ذلك عاقبة إجرامهم، وتلك سنة الله في كل من سلك سبيلهم في تكذيب رسله، وفيه تهديد لهم على التكذيب، وتخويف بأن ينزل بهم مثل ما نزل بالمكذبين قبلهم، إن داموا على التكذيب، ولم يبادروا إلى الإنابة من كفرهم وتكذيبهم رسوله.
والمعنى (?): فانظروا كيف كان آخر أمر المنكرين للبعث، المكذبين للرسل فيما دعوهم إليه من الإيمان بالله تعالى وباليوم الآخر، وهو هلاكهم بالعذاب الدنيوي؛ لأن في مشاهدة ذلك ما فيه كفاية لمن اعتبر.
70 - ثم سلى رسوله - صلى الله عليه وسلم - على ما وقع منهم من الإصرار على الكفر فقال: {وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ}؛ أي: على ما وقع لهم فيما مضى من تكذيبهم لك، وإصرارهم على كفرهم؛ لأنهم خُلقوا لهذا، وليس النهي عن تحصيل الحزن؛ لأن الحزن ليس يدخل تحت اختيار الإنسان، فالنهي في الحقيقة إنما هو عن تعاطي ما يورث الحزن واكتسابه.
{وَلَا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ} وحرج وغم {مِمَّا يَمْكُرُونَ} في المستقبل؛ أي: من مكرهم وكيدهم، وتدبيرهم الحيل في إهلاكك، ومنع الناس عن دينك، فإنه لا يحيق المكر السيء إلا بأهله، والله يعصمك من الناس، ويُظهر دينك على من خالفك في المشارق والمغارب.
وقرأ ابن كثير: {ضَيْقٍ} بكسر الضاد، وغيره بفتحها، يقال: ضاق الشيء ضَيقًا بالفتح، وضيقًا بالكسر، قرىء بهما، وهما لغتان، قال ابن السكيت: يقال: