همزة الوصل المجتلبة لأجل الإدغام والنطق بالساكن، وقرأ ابن مسعود أيضًا: {بل أأدرك} بهمزتين، همزة الاستفهام وهمزة أفعل، وقرأ الحسن أيضًا والأعرج: {بل ادّرك} بهمزة وإدغام فاء الكلمة، وهي الدال في تاء افتعل بعد صيرورة التاء دالًا، وقرأ ورش في رواية: {بل ادرك} بحذف همزة ادرك، ونقل حركتها إلى اللام، وقرأ ابن عباس أيضًا: {بلى ادرك} بحرف الإيجاب الذي يوجب به المستفهم المنفي، وقرىء: {بل أأدرك} بألف بين الهمزتين.
فأما قراءة من قرأ بالاستفهام فقال ابن عباس: هو للتقريع بمعنى لم يُدرك علمهم على الإنكار عليهم، وقال الزمخشري: هو استفهام على وجه الإنكار لإدراك علمهم، وكذلك قراءة من قرأ {أم أدرك} و {أم تدارك}؛ لأنها أم التي بمعنى بل والهمزة، وأما قراءة من قرأ على الخبر فقال ابن عباس: المعنى بل تدارك علمهم ماجهلوه في الدنيا؛ أي: علموه في الآخرة، بمعنى: تكمل علمهم في الآخرة، بأن كل ما وُعدوا به حق، وهذا حقيقة إثبات العلم لهم، لمشاهدتهم عيانًا في الآخرة ما وُعدوا به في الدنيا غيبًا، وكونه بمعنى المضي، ومعناه الاستقبال؛ لأن الإخبار به صدق، فكأنه قد وقع.
قال الزمخشري (?): فإن قلت: هذه الإضرابات الثلاث ما معناها؟
قلت: ما هي إلا تنزيل لأحوالهم، وصفهم أولًا بأنهم لا يشعرون وقت البعث، ثم بأنهم لا يعلمون أن القيامة كائنة، ثم بأنهم يتحنبطون في شك ومرية، فلا يزيلونه، والإزالة مستطاعة، وقد جعل الآخرة مبدأ عماهم ومنشأه فلذلك عدَّاه بمن دون عن؛ لأن العاقبة والجزاء هو الذي جعلهم كالبهائم لا يتدبرون ولا يبصرون، انتهى.
فائدة: قال سهل بن عبد الله التستري رحمه الله (?): ما عصى الله أحد بمعصية أشد من الجهل، قيل: يا أبا محمد هل تعرفُ شيئًا أشد من الجهل؟ قال: نعم الجهل بالجهل، فالجهل جهلان: جهل بسيط، هو سلب العلم، وجهل