وكان عليه السلام إذا قرأ هذه الآية قال: "بل الله خير وأبقى وأجل وأكرم"، فإن قيل لفظ (?) الخير يُستعمل في شيئين فيهما خير، ولأحدهما مزية، ولا خير في الأصنام أصلًا! قلنا: المراد به إلزام المشركين، والتشديد عليهم والتهكم بهم، أو هو على زعم أن في الأصنام خيرًا، ثم هذا الاستفهام والاستفهامات الآتية بعد تقرير وتوبيخ، لا استرشاد.
وقرأ أبو عمرو وعاصم والحسن وقتادة ويعقوب {يُشْرِكُونَ} بالياء التحتية على الغيبة؛ أي: آلله الذي ذُكرت أفعاله وصفاته الدالة على عظيم قدرته خير أمَّا يشركون به تعالى من الأصنام، وقرأ الباقون: بالتاء الفوقية على الخطاب؛ أي: آلله خير أم آلهة تشركونها بالله تعالى يا أهل مكة، وهي اختيار أبي عبيد وأبي حاتم.
وفي ذلك (?) ما لا يخفى من تسفيه آرائهم، وتقبيح معتقداتهم وإلزامهم الحجة، إذ من البيّن أنه ليس فيما أشركوه به سبحانه شائبة خير حتى يوازن بينها وبين ما هو محض الخير، فهو من وادي ما حكاه سيبويه، تقول العرب: "السعادة أحب إليك أم الشقاء"، وكما قال حسان يهجو أبا سفيان بن حرب، ويمدح النبي - صلى الله عليه وسلم -:
أتَهْجُوْهُ وَلَسْتَ لَهُ بِكُفْءٍ ... فَشَرُّكُمَا لِخَيْرِكُمَا الْفِدَاءُ
60 - ثم انتقل من التوبيخ تعريضًا إلى التبكيت تصريحًا فقال: {أَمَّا} هنا منقطعة مقدرة ببل والهمزة، {مَّنْ} موصولة مبتدأ خبره محذوف، وكذا في نظائره الآتية، والمعنى: بل أمن {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} التي هي أصول الكائنات المحسوسة ومبادي النفع خير أم ما يشركون؛ يعني: أن الخالق للأجرام العلوية والسفلية خير لعابديه أو للمعبودية، كما هو الظاهر.
وقرأ الجمهور (?): {أَمَّنْ خَلَقَ} وفي الأربعة بعدها بشد الميم، وهي ميم