وفيه (?): رمز إلى هلاك أعدائه - صلى الله عليه وسلم -، ولو بعد حين، وإشعار له ولأصحابه بحصول السلامة والنجاة من أيديهم، وهكذا عادة الله تعالى مع الورثة الكمل وأعدائهم في كل زمان، هذا هو اللائح للبال في هذا المقال، وهو المناسب لسوابق الآيات العظام.
والحاصل (?): أن الله سبحانه أمر رسوله أن يحمده شكرًا له على نعمه التي لا تعد ولا تحصى، وأن يسلم على عباده الذين اصطفاهم لرسالته، وهم أنبياؤه الكرام ورسله الأخيار.
ومن تلك النعم النجاة والنصر والتأييد لأوليائه، وحلول الخزي والنكال باعدائه، ونحو الآية قوله تعالى: {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (180) وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (181) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (182)}.
وفي هذا تعليم حسن وأدب جميل، وبعث على التيمُّن بالذِكْرين، والتبرك بهما، والاستظهار بمكانهما على قَبول ما يلقى إلى السامعين والإصغاء إليه، وإنزاله من قلوبهم المنزلة التي يبغيها المستمع، ولقد توارث العلماء والخطباء والوعاظ كابرًا عن كابر هذا الأدب، فحمدوا الله، وصلوا على رسوله - صلى الله عليه وسلم - أمام كل علم مفاد، وقبل كل عظة، وفي مفتتح كل خطبة، وتبعهم المترسلون، فأجروا عليه أوائل كتبهم في الفتوح والتهاني، وغير ذلك من الحوادث التي لها شأن.
ثم شرع يوبخ المشركين، ويتهكم بهم، وينبههم إلى ضلالهم وجهلهم، إذ آثروا عبادة الأصنام على عبادة الواحد القهار، فقال: {آللَّهُ} (?) بالمد بمقدار الألفين، أصله (أألله) على أن الهمزة الأولى استفهام، والثانية وصل، فمدوا الأولى تخفيفًا، والمعنى: آللهُ الذي ذُكرت شؤونه العظيمة {خَيْرٌ} أي: أنفع لعابديه {أَمَّا}؛ أي: أم الذي، فأم متصلة وما موصولة، {يُشْرِكُونَ} به من الأصنام؛ أي: أم الأصنام أنفع لعابديها، يعني: الله خير.