عمل صالح في الدنيا هباء منثورًا، ثم أخبر بما يكون لأهل الجنة من خير المستقر وحسن المقيل في ظل ظليل، ونعم لا مقطوعة ولا ممنوعة حين يقولون: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ}، ولعل في ذكر هذا ما يكون حافزًا لهم على مراجعة أنفسهم، وتخمير الرأي ليرشدوا إلى طريق السداد، ويقلعوا عما هم فيه من هوى متبع وشيطان مطاع.
وقوله تعالى: {وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ ...} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه لما بين في سابق الآيات أن المشركين طلبوا إنزال الملائكة .. أردف هذا ببيان أنهم ينزلون حين ينتهي في هذا العالم الدنيوي، ويختل نظام الأفلاك والأرض والسموات، ويحشر الناس من قبورهم للعرض والحساب، فيعض الكافر على يديه نادمًا على ما فات، ويتمنى أن لو كان قد أطاع الرسول فيما أمر ونهى، ولم يكن قد أطاع شياطين الإنس والجن الذين أضلوه السبيل، وخذلوه عن الوصول إلى محجة الصواب.
قوله تعالى: {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا (30) ...} الآيتين، مناسبة هاتين الآيتين لما قبلهما: أن الله سبحانه لما ذكر (?) مقالاتهم الباطلة، وتعنتهم الظالم في الرسول من نحو قولهم: {لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا}، وقولهم: {مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ}، وقولهم في القرآن: {إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ}، وقولهم فيه: {وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا} .. أعقب ذلك بشكاية الرسول إلى ربه بأن قومه قد هجروا كتابه، ولم يلتفتوا إلى ما فيه من هداية لهم، ورعاية لمصالحهم في دينهم ودنياهم، ثم سلاه سبحانه على ذلك بأن هذا ليس دأب قومك فحسب، بل إن كثيرًا من الأمم قد فعلوا مع رسلهم مثل هذا، فاقتد بأولئك الأنبياء، ولا تجزع، ثم وعده وعدًا كريمًا بأن يهديه إلى مطلبه، وينصره على عدوه، وكفى به هاديًا ونصيرًا.