قال أكثر المفسرين (?): إن هؤلاء الذين أنشاهم الله بعدهم هم عاد - قوم هود؛ لمجيء قصتهم على إثر قصة نوح، في غير هذا الموضع، ولقوله في الأعراف: {وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ}.
وقيل: هم ثمود؛ لأنهم هم الذين هلكوا بالصيحة، وقد قال الله سبحانه، في هذه القصة، {فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ}.
وقيل: هم أصحاب مدين - قوم شعيب - لأنهم ممن أهلكوا بالصيحة.
وقيل: القرن ثمود، والرسول صالح، والأول أصح، والقرن (?): القوم المقترنون من زمن واحد؛ أي: أهل زمان واحد
32 - {فَأَرْسَلْنَا فِيهِمْ}؛ أي: أولئك القرن؛ أي: إليهم {رَسُولًا مِنْهُمْ}؛ أي: من جملتهم نسبًا، وهو هود عليه السلام على أن يكون المراد عادًا، وهو الظاهر، وعدى فعل الإرسال، بقي مع أنه يتعدى بإلى؛ للدلالة على أن هذا الرسول المرسل إليه، نشأ فيهم بين أظهرهم، يعرفون مكانه ومولده؛ ليكون سكونهم إلى قوله أكثر من سكونهم إلى من يأتيهم من غير مكانهم، و {أن} في قوله: {أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ} مفسرة لأرسلنا لما في الإرسال من معنى القول؛ أي: قلنا لهم على لسان ذلك الرسول: اعبدوا الله تعالى وحده؛ لأنه {مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} تعالى فالجملة معللة للأمر بالعبادة، والهمزة في قوله: {أَفَلَا تَتَّقُونَ} للاستفهام الإنكاري داخلة على محذوف، والفاء عاطفة على ذلك المحذوف، والتقدير: أتشركون بالله تعالى، فلا تخافون عذابه على الإشراك؛ قاله في "بحر العلوم" فالشرك وعدم الاتقاء كلاهما منكران.
والمعنى (?): أي أوجدنا من بدء مهلك قوم نوح قومًا آخرين، وهم عاد، فأرسلنا فيهم رسولًا منهم، وهو هود عليه السلام، داعيًا لهم، قائلًا: يا قوم اعبدوا الله، وأطيعوه دون الأوثان والأصنام، فإن العبادة لا تنبغي إلا له، ولا تصلح لسواه، أفلا تخافون عقابه بعبادتكم غيره من وثن أو صنم.