السالفين .. عقب هذا ببيان أنه أوصاهم جميعًا، بأن يأكلوا من الحلال، ويعملوا صالح الأعمال، كفاء ما أنعم به عليهم، من النعم العظيمة، والمزايا الجليلة، التي لا يقدر قدرها، ثم حذرهم، وأنذرهم بأنه عليم بكل أعمالهم، ظاهرها وباطنها, لا تخفى عليه من أمورهم خافية، ثم أرشدهم إلى أن الدين الحق واحد، لا تعدد فيه، ولكن قد فرقت الأمم، دينها شيعًا، وكل أمة فرحة مسرورة بما تدين به، كما هي حال قريش، ثم خاطب رسوله، بأن يتركهم وما يعتقدون إلى حين، ثم ذكر أنهم في عماية، حين ظنوا أن ما أوتوه من النعم، هو حظوة من ربهم لهم، كلا فهم لا يشعرون بحقيقة أمرهم، وعاقبة حالهم، ولو عقلوا لعلموا، أنهم في سكرتهم يعمهون.
قوله تعالى (?): {إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (57) ...} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه، لما ذم من فرقوا دينهم شيعًا، وفرحوا بما عملوا، وظنوا أن ما نالوا من حظوظ الدنيا، هو وسيلة لنيل الثواب في الآخرة، وبين أنهم واهمون فيما حسبوا .. قفى على ذلك، بذكر صفات من له المسارعة في الخيرات، ومن هو جدير بها.
قوله تعالى: {وَلَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ...} الآيات، مناسبة هذه الآية لما قبلها: أن الله سبحانه، لما ذكر صفات المؤمنين المخلصين، الذين يسارعون إلى الخيرات، أرشد إلى أن ما كلفوا به، سهل يسير، لا يخرج عن حد الوسع والطاقة وأنه مهما قل، فهو محفوظ عنده في كتاب، لا يضل ربي ولا ينسى، وهو لا يظلم أحدًا من خلقه، بل يجزي بقدر العمل، وبما نطقت به الصحف، وعلى وجه الحق والعدل.
التفسير وأوجه القراءة
31 - قصة هود عليه السلام: {ثُمَّ أَنْشَأْنَا}؛ أي: أوجدنا وأحدثنا {مِنْ بَعْدِهِمْ}؛ أي: من بعد إهلاك قوم نوح، وإغراقهم {قَرْنًا آخَرِينَ}؛ أي: قومًا آخرين ليكونوا خلفاء عنهم في الأرض.