العبادة، وأفردوا لى الألوهية، أي: وحّدوني ولا تشركوا بي. وفيه إشارة إلى أن الحكمة في بعثة جميع الأنبياء والرسل مقصودة على هاتين المصلحتين، وهما إثبات وحدانية الله تعالى، وتعبّده بالإخلاص؛ لتكون فائدة تينك المصلحتين راجعة إلى العباد، لا إلى الله تعالى، كما قال: "خلقت الخلق ليربحوا عليّ، لا لأربح عليهم".
وخلاصة ذلك (?)؛ أنَّ الرسل جميعًا أرسلوا بالإخلاص، والتوحيد، لا يقبل منهم سواه، ونحو الآية قوله: {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ}، وقوله: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ}.
ولما كان (?) {وَمَا أَرْسَلْنَا} عامًا لفظًا ومعنَى أفرد على اللفظ في قوله: {إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ}، ثم جمع على المعنى في قوله: {فَاعْبُدُونِ}، ولم يأت التركيب {فاعبدني}. ويحتمل أن يكون الأمر له ولأمته، وهذه العقيدة من توحيد الله، لم تختلف فيها النبوات، وإنما وقع الاختلاف في أشياء من الأحكام.
وقرأ الأخوان - حمزة والكسائي - والأعمش، وطلحة، وابن أبي ليلى، والقطعي، وابن غزوان، عن أيوب، وخلف، وابن سعدان، وابن عيسى، وابن جرير: {نوحي} بالنون وكسر الحاء، وباقي السبعة بالياء وفتح الحاء، واختلف عن عاصم.
وقال بعضهم: التوحيد على ثلاث مراتب (?): توحيد أهل البداية وهو: لا إله إلّا هو، وسير أهل هذا التوحيد في عالم الأجسام. وتوحيد أهل التوسط، وهو: لا إله إلَّا أنت، وسير أهل هذا التوحيد في عالم الأرواح. وتوحيد أهل النهاية، وهو: لا إله إلا أنا، وسير أهل هذا التوحيد في عالم الحقيقة، انتهى.
26 - وبعد أن بيَّن سبحانه الدلائل الباهرة على أنه منزَّه عن الشريك والندّ ..