سبحانه مَن عنده حالة كونهم لا يَتَكَبَّرُون ولا يَتَعَظَّمُون ولا يأنفون عن عبادة الله سبحانه وتعالى والتذلل له. وقوله: {وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ} معطوف على {يَسْتَكْبِرُونَ}؛ أي: وحالة كونهم لا يكلّون ولا يعيون ولا يسأمون عن عبادته، فالبشر مع نهاية ضفهم أولى أن يطيعوه.
ويجعل أبو السعود {وَمَنْ عِنْدَهُ} مبتدأ خبره {لَا يَسْتَكْبِرُونَ} أو المعنى عليه، أي: والملائكة الذين شرفت منزلتهم عند ربهم لا يستعظمون عن عبادته، ولا يكون ولا يتعبون. وتخصيص الملائكة بالذكر للدلالة على رفعة شأنهم. كما خص جبريل من بين الملائكة في قوله {تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ}.
20 - ثم بيّن سبحانه كيف يعبدون ربهم، فقال: {يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ} جملة مستأنفة لبيان عبادتهم، كانه قيل: كيف يعبدون؟ فقيل: يسبّحون الليل والنهار؛ أي: ينزّهونه سبحانه وتعالى في جميع الأوقات عن وصمة الحدوث، وعن الأنداد، ويعظمونه ويمجّدونه دائمًا حالة كونهم {لَا يَفْتُرُونَ} ولا يسكنون عن نشاطهم في العبادة؛ أي: لا يتخلل تسبيحهم فترة وانقطاع وسكون طرفة عين بفراغ منه، أو بشغل آخر؛ لأنهم يعيشون بالتسبيح، كما يعيش الإنسان بالنفس، والحوت بالماء، يعني (?): أن التسبيح بالنسبة إلى الملائكة كالتنفس بالنسبة إلينا، فكما أن قيامنا وقعودنا وتكلُّمنا، وغير ذلك من أفعالنا، لا يشغلنا عن التنفس، فكذلك الملائكة لا يشغلهم عن التسبيح شيء من أفعالهم، كما قال عبد الله بن الحارث لكعب: أليس أنهم يؤدون الرسالة، ويلعنون من لعنه الله، كما قال: {جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا} وقال: {أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ}؟ فقال: التسبيح لهم كالتنفس لنا، فلا يمنعهم عن عمل. فإن قلت: التسبيح، واللعن من جنس الكلام، فكيف لا يمنع أحدهما الآخر؟
قلنا: لا يبعد أن يخلق الله لهم ألسنةً كثيرةً، ببعضها يسبحون، وببعضها يلعنون. أو المعنى: لا يفترون عن العزم على أدائه في أوقاته، كما يقال: فلان