حتى بطرتم به، فكفرتم وأعرضتم عن المعطي وشكره {وَمَسَاكِنِكُمْ} التي كنتم تسكنونها وتفتخوون بها {لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ}؛ أي: تقصدون من جهة الناس للسؤال، والتشاور، والتدبير في المهمات، والنوازل، كما هو عادة الناس مع عظمائهم في كل قرية، لا يزالون يقطعون أمرًا دونهم، أو تسألون عما نزل بكم وبأموالكم ومساكنكم من العذاب، فتجيبوا السائلين عما تشاهدون.
والمعنى: أي يقال لهم على طريق الاستهزاء والسخرية: لا تركضوا هاربين من نزول العذاب، وارجعوا إلى ما كنتم فيه من النعمة، والسرور، والمساكن الطيبة، والفرش المنجّدة الوثيرة، لعلكم تقصدون للسؤال عما جرى علكيم ونزل بأموالكم ومساكنكم، فتجيبوا السائلين عما تشاهدون وتعلمون.
14 - ثم حكى عنهم ما أجابوا به القائلين لهم: لا تركضوا وارجعوا، فقال: {قَالُوا}؛ أي: قال أهل تلك القرية الظالمة لمَّا يئسوا من الخلاص بالهرب، وأيقنوا بنزول العذاب {يَا وَيْلَنَا}؛ أي: يا هلاكنا تعال فهذا أوانك {إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ} لأنفسنا مستوجبين للعذاب بما قدّمنا، وهو اعتراف منهم بالظلم، وباستتباعه للعذاب، وندمهم عليه حين لا ينفعهم ذلك.
والمعنى: أي قالوا حين يئسوا من الخلاق إذ نزل بهم بأس الله بظلمهم اْنفسمهم: يا قومنا هلاكًا لنا لكفرنا بربنا، وهذا منهم اعتراف بكفرهم، وندم عليه حين لا ينفع الندم.
نَدِمَ الْبُغَاةُ وَلاَتَ كسَاعَةُ مَنْدَمِ ... وَالْبَغْيُ مَرْتَعُ مُبْتَغِيْهِ وَخِيْمُ
قال المفسرون وأهل الأخبار (?): إن المراد بهذه القرية أهل حضور - بوزن شكور - قرية من قرى اليمن. وقيل: كانت بأرض الحجاز من ناحية الشام، وكان الله سبحانه قد بعث إليهم نبيًا اسمه شعيب بن مهدم، وقبر شعيب هذا في اليمن بجبل يقال له "ضِيْن". قال في "القاموس": ضين بالكسر جبل عظيم بصنعاء، اهـ وليس هو شعيبًا صاحب مدين، فقتلوا نبيهم فسلط الله عليهم بُخْتَنَصَّر، وقتل