قالوا ويُقوِّي ذلك قوله تعالى: {إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ} وقال حسان بن ثابت - رضي الله تعالى عنه -:

وجبريلُ رسولُ اللهِ فينا ... وروحُ القُدْسِ لَيْس لَهُ كِفَاءُ

وتسمية جبريل بذلك؛ لأنَّ الغالب على جسمه الرُّوحانيَّة، وكذلك سائر الملائكة؛ أو لأنّه يحيا به الدين كما يحيا البدن بالروح، فإنَّه هو المتولِّي لإنزال الوحي؛ أو لتكوينه روحًا من غير ولادةٍ، وتأييد الله عيسى بجبريل عليهما السلام؛ لإظهار حجته وأمر دينه؛ أو لدفع اليهود عنه إذ أرادوا قتله، أو في جميع أحواله، قالوا: وإطلاق الروح على جبريل، وعلى الإنجيل، وعلى اسم الله الأعظم مجازٌ؛ لأنَّ الرُّوح هو الريح المتردّدُ في مخارق الإنسان، أي: في منافذه، ومعلومٌ أنَّ هذه الثلاثة ما كانت كذلك. اهـ. من "البحر".

وخلاصة معنى قوله: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ ...} إلخ؛ أي (?): ولقد أعطينا موسى الكتاب المقدس وهي التوراة، ثمّ أتبعنا من بعده رسولًا بعد رسول مقتفين إثره، فلم يمض زمنٌ إلّا كان فيه نبيٌّ، أو أنبياء، يأمرون وينهون، فلا عذر لهم في نسيان الشرائع، أو تحريفها، وتغيير أوضاعها، ثُمَّ خصَّ من أولئك الرسل عيسى عليه السلام، فقال: {وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ} .. الخ؛ أي: وأعطينا عيسى المعجزات الباهرة التي تدلُّ على صدق نُبوّته، وأنّه مُوحًى إليه من ربّه، وأيّدناه بروح الوحي الذي يُؤيِّد الله تعالى به أنبياءه في عقولهم، ومعارفهم، وأرسلناه بعد ظهور كثيرٍ من الرسل، ولم يكن حظّهُ بينهم أحسن من حظِّ سابقيه، ثُمَّ بين ماذا كان حظُّ الرسل من بني إسرائيل، فقال: {أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ} خاطب بهذا أهل عصر محمد - صلى الله عليه وسلم -، وقد فعله أسلافهم؛ يعني: لم يوجد منهم القتل، وإن وجد منهم الاستكبار؛ لأنّهم يتولَّونهم ويرضون بفعلهم، والراضي بفعل الغير كفاعله، وقد كذَّبوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما جاء به، وسقوه السُمَّ ليقتلوه، وسحروه. ويجوز أن (?) يكون الخطاب عامًّا لجميع بني إسرائيل،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015