وزن فعَّلناه. وقرأ مجاهد، والأعرج، وحميد، وابن محيصن، وحسين عن أبي عمرو {أَأْيَدْناه} على وزن أفعلناه. وقرأ ابن كثير {آيَدْنَاه} بمد الهمزة وتخفيف الياء، وهاتان القراءتان من الشواذ والأصحّ أنّها كلها بمعنى: قوَّيناه، وكُلُّها من الأيد وهو القوّة؛ أي: قوَّيناه، وآنَسْنَاه، وشدَدْناه {بِرُوحِ الْقُدُسِ} من إضافة الموصوف إلى الصفة؛ أي: بالروح المُقدَّس؛ أي: المطهَّر الذي هو جبريل عليه السلام، وذلك لأنّه بشَّر مريم بولادتها له، وكان من نفخه في جيبها، وهو الذي ربَّاه في جميع الأحوال، وكان يسير معه حيث سار، وكان معه حين صعد به إلى السماء وهو ابن ثلاثٍ وثلاثين سنة، وسُمِّي جبريل روحًا؛ لأنَّ به حياة القلوب بسبب وحيه إلى الأنبياء، كما أنَّ الروح المعروفة بها حياة الأبدان، ووصف بالقدس بمعنى الطُّهْرِ؛ لطهارته من المعاصي، والمخالفات، والأقذار، وقد مدحه تعالى بقوله: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ} فمعنى تقويته به: أنّه عصمه من أوّل حاله إلى كبره، فلم يدن منه الشيطان عند الولادة، ورفعه إلى السماء حين قصد اليهود قتله. وقيل (?): أيدناه بالروح المقدَّسة المطهرة، وهي روح عيسى عليه السلام، وُصِفَت بالقدس؛ للكرامة؛ لأنَّ القدس هو الله سبحانه وتعالى، كالقدُّوس. وقرأ الجمهور (?) بضمّ القاف والدال. وقرأ مجاهد، وابن كثير بسكون الدال حيث وقع في القرآن، وفيه لغةٌ: فتحها. وقرأ أبو حيوة: {القُدُوْس} بواوٍ.
قال أبو حيان: والرُّوح هنا: اسم الله الأعظم الذي كان به عيسى عليه السلام يُحيي الموتى. قاله ابن عباس، أو الإنجيل، كما سَمَّى الله تعالى القرآن روحًا في قوله: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا} قاله ابن زيد، أو الروح الَّتي نفخها الله تعالى في عيسى عليه السلام، أو جبريل عليه السلام. قاله قتادة، والسديّ، والضحاك، والربيع، ونسب هذا القول لابن عباس. قاله ابن عطيّة.
وهذا أصحُّ الأقوال، وقد قال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - لحسَّان بن ثابت: "أُهْجُ قُريشًا وروح القدس معك" ومرَّةً قال له: "وجبريل معك". انتهى كلامه.