[92]

[93]

وبيناه لك يا محمد من قبل من بلوغه طرفي المشرق والمغرب، ومن فعله الأفاعيل المذكورة، فهو قد بلغ الغاية في رفعة الشأن، وبسطة الملك، مما لم يتح لكثير من الناس، أو أمره في أهل المشرق كأمره في أهل المغرب، فحكم في أهل المطلع كما حكم في أهل المغرب، من تعذيب الظالمين، والإحسان إلى المؤمنين {و} نحن {قَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ}؛ أي: بما عند ذي القرنين من الأسباب والعدد {خُبْرًا}؛ أي: علمًا، تمييز؛ أي: ونحن قد علمنا بما لديه من الأسباب والعدد، والشؤون والأحوال، علمًا محيطًا بظواهره وخفاياه.

وخلاصة ذلك: أنه كما وُصف، وفوق ما وصف، مما لا يحيط بعلمه إلا اللطيف الخبير.

فانظر (?) يا أخي سعة لطف الله تعالى، وإمداده بمن شاء من عباده، فإنه ذكر وهب بن منبه: أن ذا القرنين كان رجلًا من أهل الإسكندرية، ابن امرأة عجوز من عجائزهم، ليس لها ولد غيره، وكان خارجًا عن قومه، ولم يكن بأفضلهم حسبًا ولا نسبًا، ولكنه نشأ في ذات حسن وجمال، وحلم ومروءة وعفة، من لدن كان غلامًا، إلى أن بلغ رجلًا، ولم يزل منذ نشأ يتخلق بمكارم الأخلاق، ويسمو إلى معالي الأمور، إلى أن علا صيته، وعز في قومه، وألقى الله تعالى عليه الهيبة، ثم إنه زاد به الأمر إلى أن حدَّث نفسه بالأشياء، فكان أول ما أجمع عليه رأيه الإِسلام فأسلم، ثم دعا قومه إلى الإِسلام، فأسلموا عنوة منه عن آخرهم، ثم كان من أمره ما كان،

92 - ثم حكى سبحانه وتعالى سفر ذي القرنين إلى ناحية أخرى، وهي ناحية القطر الشمالي، بعد تهيئة أسبابه، فقال: {ثُمَّ} قفل ذو القرنين راجعاً من مطلع الشمس و {أَتْبَعَ سَبَبًا}؛ أي: سلك طريقًا ثالثاً، معترضًا بين المشرق والمغرب آخذًا من الجنوب إلى الشمال

93 - {حَتَّى إِذَا بَلَغَ} ذو القرنيق ووصل {بَيْنَ السَّدَّيْنِ}؛ أي: بين الجبلين الذين سد ما بينهما، وهما جبلان عاليان، في منقطع أرض الترك، مما يلي المشرق، من ورائهما يأجوج ومأجوج،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015