شيخنا. {عَنْ أَمْرِي}؛ أي: عن رأيي واجتهادي {مَا لَمْ تَسْطِعْ}؛ أي: تستطع ماضيه اسطاع، الذي أصله استطاع من باب افتعل الخماسي، حذفت تاء الافتعال منه للتخفيف كما مر، ومضارعه يسطيع، أصله يستطيع، بوزن يستقيم، فحذفت منه التاء أيضًا.
البلاغة
وقد تضمنت هذه الآيات ضروبًا من البلاغة، وأنواعًا من الفصاحة والبيان والبديع:
فمنها: التأكيد بزيادة لك في قوله: {أَلَمْ أَقُلْ لَكَ} في المرة الثانية للزيادة في مكافحة العتاب على رفض الوصية مرة بعد مرة، والوسم بعدم الصبر.
ومنها: تكرير {أَهْلَهَا} في قوله: {حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا} للتأكيد، وفيه أيضًا إقامة الظاهر مقام المضمر؛ لأن مقتضى الظاهر أن يقال استطعماهم.
ومنها: الاستعارة المكنية في قوله: {فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ} فقد استُعيرت الإرادة للمشارفة والمداناة، ويجوز أن يكون مجازاً عقلياً، من إطلاق الملزوم وإرادة اللازم, لأن المراد هنا لازم الإرادة العرفي، وهو القرب من الشيء؛ أي: يقرب من السقوط؛ لأن الإرادة من صفات العقلاء، وإسنادها إلى الجدار من لطيف الاستعارة، وبليغ المجاز، كقول الشاعر:
يُرِيْدُ الرُّمْحُ صَدْرَ أَبِيْ بَرَاءٍ ... وَيَرْغَبُ عَنْ دِمَاءِ بَنِيْ عَقِيْلِ
ومنها: التكرار في قوله: {هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ} كرر البين لغرض التوصل إلى العطف على ضمير الخفض, لأنه يجب عند العطف عليه، إعادة الخافض، فكأنه قال بيننا كما مر، ومنها السلف والنشر المرتب في قوله: {أَمَّا السَّفِينَةُ} وقوله: {وَأَمَّا الْغُلَامُ} وقوله: {وَأَمَّا الْجِدَارُ} فقد جاء بها مرتبة بعد ذكر ركوب السفينة، وقتل الغلام، وبناء الجدار، بطريقة السلف والنشر المرتب، وهو من المحسنات البديعية.
ومنها: التقديم والتأخير لغرض العناية بالمقدم في قوله: {فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا