الجدار؛ أي: مالكك ومدبر أمرك، وأضاف الرب إلى ضمير موسى تشريفًا له.

{أَنْ يَبْلُغَا}؛ أي: أن يبلغ الغلامان {أَشُدَّهُمَا}؛ أي: حلمهما وكمال رأيهما، وتمام نموهما {وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا} من ذلك الموضع الذي عليه الجدار، ولولا أني أقمته لانقضّ وخرج الكنز من تحته، قبل اقتدارهما على حفظ المال، وتنميته وضاع بالكلية {رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ} لهما مصدر في موقع الحال؛ أي: مرحومين من قبله تعالى، أو علة لإرادة، فإن إرادة الخير رحمة، أو مصدر لمحذوف؛ أي: رحمهما الله سبحانه بذلك رحمة {وَمَا فَعَلْتُهُ}؛ أي: وما فعلت ما رأيته يا موسى من خرق السفينة، وقتل الغلام، وإقامة الجدار {عَنْ أَمْرِي}؛ أي: عن رأيي واجتهادي، وإنما فعلته بأمر الله، ووحيه، وهذا إيضاح لما أشكل على موسى، وتمهيد للعذر في فعله المنكر ظاهرًا، والمعنى؛ أي: وما فعلت الذي رأيتني أفعله، عن رأيي ومن تلقاء نفسي، بل فعلته عن أمر الله إياي به، لأن الإقدام على تنقيص أموال الناس، وإراقة دمائهم، لا يجوز إلا بالوحي والنص القاطع.

{ذَلِكَ} المذكور من تلك البيانات التي بينتها لك، وأوضحت وجوهها لك، {تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا}؛ أي: مآل وعاقبة الأمر الذي لم تطق ولم تقدر الصبر والسكوت عليه، لكون ظاهره من المنكر؛ أي: لم تستطع الصبر عليه، فحذف (?) التاء للتخفيف، فإن استطاع واسطاع بمعنى واحد، وهو إنجاز للتنبئة الموعودة.

وخلاصة المسائل الثلاثة (?): أنه حين يتعارض ضرران، يجب تحمل الأدنى لدفع الأعلى، فلو لم يعب تلك السفينة بالتخريق لغصبها الملك، وفاتت منافعها بتاتًا، ولو لم يقتل ذلك الغلام لكان بقاؤه مفسدة لوالديه في دينهم ودنياهم، ولأن المشقة الحاصلة بإقامة الجدار أقل ضررًا من سقوطه، إذ بالسقوط كان يضيع مال أولئك الأيتام.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015