ظلمه على ما ذكره أبو الليث، وأول فساد ظاهر في البر قتل قابيل هابيل على ما ذكره أيضًا عند تصير قوله تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ} الآية، {يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ} صحيحة جيدة، وهو من قبيل إيجاز الحذف {غَصْبًا} من أصحابها وانتصابه على أنه مصدر مبين لنوع الأخذ، أو على الحالية، بمعنى غاصبًا، والغصب أخذ الشيء ظلمًا وقهرًا، ويسمى المغصوب غصبًا، والمعنى؛ أي (?): أما فعلي ما فعلت بالسفينة، فلأنها كانت لقوم ضعفاء، لا يقدرون على دفع الظلمة، وكانوا يؤاجرونها ويكتسبون قوتهم منها، فأردت أن أعيبها بالخرق الذي خرقته، وكان قدامهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة للاستعمال غصبًا، ويدع كل معيبة، فعبتها لأرده عنها، وخلاصة ذلك: أن السفينة كانت لقوم مساكين عجزة، يكتسبون بها، فأردت بما فعلت إعانتهم على ما يخافون ويعجزون عن دفعه، من غصب ملك قدامهم، من عادته غصسب السفن الصالحة؛ أي: إنما خرقتها لأن الملك إذا راها منخرقة .. تركها ورقعها أهلها فانتفعوا بها.
وقرأ الجمهور (?): {مَسَاكِينَ} بتخفيف السين جمع مسكين، وقرأ علي - كرم الله وجهه - بتشديد السين، جمع مسَّاك جمع تصحيح، فقيل: المعنى ملاحين، والمساك الذي يمسك رجل السفينة، وكل منهم يصلح لذلك، وقرأ الجمهور: {وَرَاءَهُمْ} وهو لفظ يطلق على الخلف وعلى الأمام، ومعناه أمامهم في المكان، لأنهم كانوا يسيرون إلى بلده، وقرأ (?) أبي بن كعب وابن مسعود {وكان أمامهم ملك}.
قال الزمخشري: فإن قلت قوله: {فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا} مسبب عن خوف الغصب عليها، فكان حقه أن يتأخر عن السبب، فلِمَ قدَّم عليه؟.
قلتُ: النية به التأخير وإنما قدم للعناية، ولأن خوف الغصب ليس هو السبب وحده، ولكن مع كونها لمساكين، فكان بمنزلة قولك: زيد ظني مقيم.