المضمَّن للتوبيخ لموسى على ترك الوصية، زاد هنا كلمة (لك) على سابقه، لتشديد العتاب على رفض الوصية لأنه قد نقض العهد مرتين -: إنك لن تستطيع معي صبرًا، ووسمه بقلة الصبر والثبات حين تكرر منه الاشمئزاز والاستكبار، مع عدم الارعواء بالتذكير أول مرة، قال البغوي: روي أن يوشع كان يقول لموسى: اذكر العهد الذي أنت عليه، وفي البخاري قال: "يرحم الله موسى لوددنا أنه صبر حتى يقص علينا من أمرهما"
76 - {قَالَ} موسى للخضر {إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا} أي بعد (?) هذه المرة أو بعد هذه النفس المقتولة فلا تصاحبني ولا ترافقني أي لا تجعلني صاحبًا لك ولا تكن مرافقًا معي، بل أبعدني عنك وإن سألتُ صحبتك، نهاه عن مصاحبته مع حرصه على التعلم لظهور عذره، ولذا قال: {قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا}؛ أي: قد وجدت (?) عذرًا من قبلي حين خالفتك مرة بعد أخرى، أو (?) قد بلغت الغاية التي تُعذر بسببها في فراقي، إذ خالفتك مرة بعد أخرى، وهذا كلام نادم أشد الندم، قد اضطره الحال إلى الاعتراف، وسلوك سبيل الإنصاف، وفي "البحر" ومعنى: {قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا}؛ أي: قد اعتذرت إليَّ وبلغت إليَّ العذر. انتهى.
والعذر (?): بضمتين وبسكون الذال في الأصل تحري الإنسان ما يمحو به ذنوبه، بأن يقول: لم أفعل أو فعلت لأجل كذا، أو فعلت فلا أعود، وهذا الثالث التوبة، فكل توبة عذر بلا عكس، والاعتذار عبارة عن هو أثر الذنب، وأصله القطع، يقال: اعتذرت إليه؛ أي: قطعت ما في قلبه من الموجدة.
وقرأ الجمهور (?): {فَلَا تُصَاحِبْنِي} من باب المفاعلة، وقرأ عيسى ويعقوب: {فلا تصحبني} مضارع صحب، وقرأ عيسي أيضًا: {فلا تصحبني} بضم التاء وكسر الحاء مضارع أصحب.
ورواها سهل عن أبي عمرو؛ أي: فلا تصحبني علمك، وقدره بعضهم: