ومنها: القول الحسن، ولمّا خرج العبد من عهدة حقِّ العبوديّة، وعمت رحمته وشفقته الوالدين، وغيرهما، لَزِمَ له أن يقول للناس حسنًا، يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر، ويدعوهم بالحكمة والموعظة الحسنة إلى الله تعالى، ويهديهم إلى طريق الحقِّ، ويخالقهم بحسن الخلق، وأن يكون قوله ليّنًا، ووجهه منبسطًا طلقًا مع البر والفاجر، والسُنِّيِّ والمبتدع، من غير مداهنةٍ، ومن غير أن يتكلَّم معه بكلام يُظَنُّ أنَّه يرضى مذهبه؛ لأنَّ الله تعالى قال لموسى وهارون عليهما السلام: {فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا} فليس بأفضل من موسى وهارون عليهما السلام، والفاجر ليس بأخسّ من فرعون، وقد أمرهما الله تعالى باللين معه، فدخل في هذه الآية اليهود والنصارى، فكيف بالمبتدع.
الإعراب
{أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75)}.
{أَفَتَطْمَعُونَ} الهمزة فيه للاستفهام الاستبعاديّ، وتدخل على ثلاثة من حروف العطف، الفاءُ كما هنا، والواو كقوله الآتي: {أَوَلَا يَعْلَمُونَ}، وثُمَّ كقوله: {أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ}. واختلف في مثل هذه التراكيب بين الجمهور والزمخشري، فذهب الجمهور: إلى أنّ الهمزة مقدّمة من تأخير؛ لأنّ لها الصدر، ولا حذف في الكلام، والفاء زائدة عندهم، والتقدير: ... (أتَطُمْعَوُن) و (أَلاَ يعلمون)، و (ثُمَّ إذا ما وقع). وذهب الزمخشري: إلى أنها داخلة على محذوف دلَّ عليه سياق الكلام، والتقدير هنا: أتسمعون أخبارهم، وتعلمون أحوالهم، فتطمعون في إيمانهم. انتهى من "أبي السعود". {أَفَتَطْمَعُونَ} الهمزة فيه للاستفهام الإنكاريِّ، المضمّن للنهي داخلة على محذوف، والفاء عاطفة ما بعدها على ذلك المحذوف؛ أي: أتسمعون، وتعلمون أحوالهم فتطمعون {تطمعون} فعل وفاعل مرفوع بثبات النون، والجملة معطوفة على تلك المحذوفة على كونها إنشائيّة، أو مستأنفة لا محل لها من الإعراب، والمعنى: لا تطمعوا في إيمان هؤلاء العتاة الجفاة القاسية قلوبهم، {أَن} حرف نصب ومصدر {يُؤمِنُوا} فعل وفاعل منصوب