[55]

شيئًا، ثم سمعته وهو مولّ يضرب فخذه ويقول: «وكان الإنسان أكثر شيء جدلا» والجدل: هاهنا شدة الخصومة بالباطل، لاقتضاء خصوصية المقام ذلك، وإلا فالجدل لا يلزم أن يكون بالباطل قال تعالى: {وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}.

وخلاصة ذلك: أن جدل الإنسان أكثر من جدل كل مجادل لما أتيه من سعة الحيلة، وقوة المعارضة، واختلاف النزعات، والأهواء، وقوة العزيمة إلى غير حد فلو اتجه إلى سبيل الخير، وتاقت نفسه إلى سلوك طريقه ارتقى إلى حظيرة الملائكة، ولو نزعت نفسه إلى اتباع وساوس الشيطان انحط إلى الدرك الأسفل، ولحق بأنواع الحيوان، يفعل ما يشاء، غير مقيّد بوازع من الدين، ولا زمام من العقل، وصادق العزيمة،

55 - ولما بيّن سبحانه وتعالى إعراضهم ذكر علة ذلك فقال: {وَما مَنَعَ النَّاسَ}؛ أي: لم يمنع أهل مكة من {أَنْ يُؤْمِنُوا} بالله تعالى، ويتركوا الشرك الذي هم عليه {إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى} وهو الرسول الكريم الداعي، والقرآن العظيم الهادي {وَ} من أن {يَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ} من أنواع الذّنوب {إِلَّا} انتظار {أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ}؛ أي: سنة الله، وعادته في الأمم الماضية، وهو الاستئصال لما كان تعنتهم مفضيًا إليه، جعلوا كأنهم منظرون له. {أَوْ} انتظار أن {يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ}؛ أي: عذاب الآخرة حال كونه {قُبُلًا}؛ أي: أنوعًا، جمع قبيل، أو عيانًا لهم؛ أي: معاينًا.

والمعنى: أي (?) وما منع هؤلاء المشركين من أن يؤمنوا بالله حين جاءتهم البينات الواضحة، والدّلالات الظاهرة، وعلموا صحّة ما تدعوهم إليه، وأن يستغفروا ربهم بالتوبة عما فرّط منهم من الذنوب، إلا تعنتهم وعنادهم الذي جعلهم يطلبون أحد أمرين:

1 - إما عذاب الاستئصال بنحو قولهم: {اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ}.

2 - وإمّا أن تأتيهم بأنواع من العذاب، والبلاء يتلوا بعضها بعضًا حين

طور بواسطة نورين ميديا © 2015