روي عن علي - رضي الله عنه -: المال والبنون حرث الدنيا، والعمل الصالح حرث الآخرة، وقد جمعهما الله لأقوام. وهذا (?) رد على الأغنياء والرؤساء الذين يفتخرون بالمال والغنى والأبناء، فأخبرهم سبحانه أنّ ذلك مما يتزين به في الدنيا، لا مما ينفع في الآخرة، كما قال في الآية الأخرى: {أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ} وقال أيضًا: {إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ}، ولهذا عقّب هذه الزينة الدنيوية بقوله: {وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ}؛ أي: والأعمال الصالحة التي تبقى ثمراتها أبد الآباد من الصلاة، والصوم، والزكاة، وأعمال الحج، والجهاد في سبيل الله، ومساعدة البائسين وذوي الحاجات، وسبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ونحو ذلك من الكلم الطيب، {خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ} في الآخرة من الفانيات الفاسدات، من المال والبنين؛ أي: أفضل لصاحبها من هذه الزينة بالمال والبنين في الآخرة. {ثَوابًا} وجزاء، وأكثر عائدة ومنفعة لأهلها {وَخَيْرٌ أَمَلًا}؛ أي: رجاء (?) حيث ينال بها صاحبها في الآخرة كلّ ما كان يؤمله في الدنيا، وأما ما مر من المال والبنين: فليس لصاحبه أمل يناله. يعني أن (?) هذه الأعمال الصّالحة لأهلها من الأمل أفضل مما يؤمله أهل المال والبنين، لأنهم ينالون بها في الآخرة أفضل ممّا كان يؤمله هؤلاء الأغنياء في الدنيا، وليس في زينة الدنيا خير حتى تفضل عليها الآخرة، ولكن هذا التفضيل خرج مخرج قوله تعالى: {أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا} والظاهر أنّ الباقيات الصالحات كلّ عمل خير، فلا وجه لقصرها على الصلاة، كما قاله بعض، ولا لقصرها على نوع من أنواع الذكر كما قاله بعضٌ آخر، ولا على ما كان يفعله فقراء المهاجرين باعتبار السبب، لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وبهذا تعرف أن تفسير الباقيات الصالحات في الأحاديث الآتية ببعض الأعمال الصالحة بخصوصها لا ينافي إطلاق هذا اللفظ على ما هو عمل صالح من غيرها.
وأخرج سعيد بن منصور، وأحمد، وابن جرير، وابن مردويه، والحاكم، وصححه عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: