[46]

«الدنيا كسوق قام ثمّ انفض».

وقرأ ابن مسعود، وأبي وابن عباس، وابن أبي عبلة (?): {تذريه} بضم التاء وكسر الراء، بعدها ياء ساكنة، وهاء مكسورة من أذرى الرباعيّ إلا أنّ ابن مسعود فتح التاء، وقرأ (?) زيد بن علي، والحسن، والنخعي، والأعمش، وطلحة، وابن أبي ليلى، وابن محيصن، وخلف، وابن عيسى، وابن جرير {الريح} على الإفراد، وقرأ الجمهور {تَذْرُوهُ الرِّياحُ} بالجمع {وَكانَ اللَّهُ} سبحانه ذو الكمال والجلال {عَلى كُلِّ شَيْءٍ} شاءه من الإنشاء والإبقاء، والإفناء {مُقْتَدِرًا}؛ أي: قادرًا لا يعجزه شيء، والمقتدر مفتعل من قدرت؛ أي: وكان (?) الله ذو الجلال والجمال قادرًا على كل شيءٍ إنشاءً وفناءً وإعادة فهو يوجد الأشياء، ثم ينميها ثم يفنيها، وما حال الدنيا إلا هذه الحال، فهي تظهر أوّلًا ناضرةً ظاهرةً، ثمّ تتزايد قليلًا قليلًا، ثمّ تأخذ في الانحطاط إلى أن تصير إلى الهلاك، والفناء، فلا ينبغي للعاقل أن يبتهج بما يحوزه منها، أو يفخر به، أو يصعّر خدّه استكبارًا،

46 - ثم بين سبحانه ما كانوا يفتخرون به من محسنات الدنيا، إثر بيان حالها بما مرّ من المثل، فقال: {الْمالُ وَالْبَنُونَ} اللذان يفتخر بهما الناس، لا سيّما رؤساء العرب وأغنياؤهم، {زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا}؛ أي: شيءٌ يتزينون به في الحياة الدنيا، ويفنى عنهم عن قريب، وليسا من زاد الآخرة، فيقبح بالعاقل أن يفتخر بهما، والزّينة (?) مصدر في الأصل، أطلق على المفعول مبالغة، كأنهما نفس الزينة، وقدم (?) المال على البنين مع كونهم أعزّ منه لدى جميع الناس من قبل أنّ الزينة به أتمّ، ولأنه يمدّ الآباء والأبناء في كل حين، ولأنه مناط ببقاء النفس والأولاد، وبذا يبقى النوع الإنساني، ولأنّ الحاجة إليه أمس من الحاجة إليهم، ولأنه زينة بدونهم، دون العكس، فإنّ من له بنون ولا مال له، فهو في بؤس وشقاء.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015