ضعيفًا لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًّا، مع الشفقة التي لا مزيد عليها، أفلا يجب عليه بعدئذٍ مكافأتهما جزاءً وفاقًا لما صنعا؟! {هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ}.
ولِحُبِّ الوالدين لولدهما أسبابٌ:
1 - الحنان الفِطريُّ الذي أودعه الله فيهما، إتمامًا لحكمته في بقاء الأنواع إلى الأمد الذي قدَّره في سابق علمه.
2 - التفاخر بالأبناء، كما قال ابن الروميِّ:
وَكَمْ أبٍ قَدْ عَلاَ بابْنٍ ذُرَى شَرَفِ ... كَمَا عَلَتْ بِرَسُولِ الله عَدْنَانُ
3 - الأمل في الاستفادة منهما مالًا وعوْنًا على المعيشة، وهذا الحبُّ لا يحتاج إلى ما يُقَرِّبُهْ، ويُوثِقُ صلته، ومن ثَمَّ ترك القرآن النصَّ عليه {و} أحسنوا بـ {ـذي القربى} أو وتحسنون بـ {ـذي القربى}؛ أي: بصاحب القرابة لكم، والقربى مصدر، كالرُّجعى بمعنى القرابة، بأن تصلوا رحمه، وتعرفوا حقَّه؛ لأنَّ الإحسان إليهم ممَّا يُقوِّي الروابط بينهم.
أحسن إلى الناسِ تَسْتَعْبِد قُلُوبهم ... فَطالمَا اسْتَعْبَدَ الإنْسَانَ إحسانُ
فما الأُمةُ إلّا مجموعة الأُسَر والبُيوت، فصلاحُهَا بصلاحها، وفسادها بفسادها، ومن لا بيت له لا أمُّة له، ومَنْ قطع لُحمة النَّسب، فكيف يصل ما دونها؟ وكيف يكون جُزْءًا من الأمّة؟ يسرُّه ما يسرُّها، ويؤلمه ما يؤلمها، ويرى في منفعتها منفعته، وفي مضرّتها مضرَّته.
ونظام الفطرة (?) قاضٍ بأنَّ صلة القرابة أَمْتَنُ الصِلات، وجاء الدين حاثًّا عليها، مؤكِّدًا لأوَاصِرها، مقوِّيًا لأركانها، مقدِّمًا لحقوقها على سائر الحقوق بحسب درجات القرابة، وعَطَف على برِّ الوالدين بر ذوي القربى؛ لأنَّ حقَّ القرابة تابعٌ لحقّ الوالدين، والإحسان إليهم إنّما هو بواسطة الوالدين {و} أحسنوا بـ {اليتامى} أو وتحسنون إلى {اليتامى}، بأن (?) تتعطَّفوا عليهم بالرأفة والرحمة