وغمرته من جميع جوانبه، وسدَّت عليه مسالك النجاة بأن مات على تركه، فأمَّا إذا مات مؤمنًا، فأعظم الطاعات وهو الإيمان معه، فلا يكون الذنب محيطًا به، فلا يتناوله نصُّ الآية، فحينئذٍ فالمراد بالخطيئات: أنواع الكفر المتجدِّدة في كلّ وقت، {فَأُولَئِكَ} الذين كسبوا السيئات، وأحاطت بهم خطيئاتهم، {أَصْحَابُ النَّارِ}؛ أي: ملازموها في الآخرة، كما أنَّهم ملازمون أسبابها في الدنيا
82 - {هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}؛ أي: دائمون فيها، لا يموتون فيها ولا يخرجون منها. {وَالَّذِينَ آمَنُوا} بالله تعالى، وصدَّقوا بما جاء به محمد - صلى الله عليه وسلم - بقلوبهم {وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}؛ أي: وأطاعوا الله تعالى بأداء فرائضه، واجتناب محارمه {أُولَئِكَ} الذين جمعوا بين الإيمان والعمل الصالح {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ}؛ أي: ملازموا الجنّة {هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}؛ أي: مخلَّدون فيها، لا يموتون فيها ولا يخرجون منها أبدًا.
والمعنى (?): أي وأمَّا الذين صدَّقوا الله ورسله، وآمنوا باليوم الآخر، وعملوا صالح الأعمال، فأدُّوا الواجبات، وانتهوا عن المعاصي، فأولئك جديرون بدخول الجنّة؛ جزاءً وفاقًا على إخباتهم لربّهم، وإنابتهم إليه، وإخلاصهم له في السرّ والعلن.
وفي هذا دليلٌ على أنَّ دخول الجنّة منوطٌ بالإيمان الصحيح، والعمل الصالح معًا، كما روي: أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال لسفيان بن عبد الله الثقفي - رضي الله عنه - وقد قال له: يا رسول الله؛ قل لي في الإِسلام قولًا، لا أسأل عنه أحدًا بعدك، قال: "قل آمنت بالله ثم استقم" رواه مسلم. وقد جرت سنّة الله في القرآن، أن يَشْفَع الوعد بالوعيد؛ مراعاةً لما تقتضيه الحكمة في إرشاد العباد من الترغيب تارةً، والترهيب أخرى، والتبشير مرّة، والإنذار أخرى؛ إذ باللُّطف والقهر يَرْقَى الإنسان إلى درجة الكمال، ويفوز برضوان الله، وحسن توفيقه ورضوان الله أكبر. وأتى (?) في الشقّ الأوّل؛ أعني: أصحاب النار، بالفاء دون