[77]

وقوله: {أَفَلَا تَعْقِلُونَ}: ظاهره أنّه مندرج تحت قول من قال: أتحدّثونهم بما يكون حجّةً لهم عليكم؟ أفلا تعقلون! فلا تحدّثونهم بذلك. وقيل: هو خطابٌ من الله للمؤمنين؛ أي: أفلا تعقلون! أنَّ هؤلاء اليهود لا يؤمنون، وهم على هذه الصفات الذميمة من اتّباعِ أسلافهم المحَرِّفين كلامَ الله، والتقليدِ لهم فيما حرَّفوه، وتظاهرهم بالنفاق، وغير ذلك بما نُعِيَ عليهم ارتكابُهُ.

وفي "الخازن" (?): نزلت هذه الآية في اليهود الذين كانوا في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ابن عباس - رضي الله عنهما: - (إنّ منافقي اليهود كانوا إذا لقوا أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالوا لهم: آمنّا بالذي آمنتم به، وإنّ صاحبكم صادقٌ، وقوله حق، وإنّا نجد نعته في كتابنا)، قال تعالى ردًّا عليهم:

77 - {أَوَلَا يَعْلَمُونَ}؛ أي: اللائمون، أو المنافقون، أو كلاهما {أَنَّ اللهَ} سبحانه وتعالى {يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ}؛ أي: ما يخفون من التكذيب بمحمّد - صلى الله عليه وسلم - {وَمَا يُعْلِنُونَ}؛ أي: وما يظهرون من التصديق له - صلى الله عليه وسلم -، أو من إخفاء ما فتح الله عليهم وإظهار غيره، فيرتدعوا عن ذلك. والهمزة في قوله: {أَوَلَا يَعْلَمُونَ} للاستفهام التقريري، داخلةٌ على مقدّر ينساق إليه الذهن. والواو عاطفة ما بعدها على ذلك المقدَّر (?)، وضمير الفاعل للموبِّخين، والتقدير: أيلومونهم على التحديث بما ذكر مخافة المحاجة، ولا يعلمون أنَّ الله يعلم ما يسرون وما يعلنون؛ أي: بجميع ما يسرّونه وما يعلنونه، ومن ذلك إسرارهم الكفر، وإعلانهم الإيمان، فحينئذٍ يظهر الله للمؤمنين ما أرادوا إخفاءه بواسطة الوحي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فتحصل المحاجَّة والتبكيت، كما وقع في آية الرجم، وتحريم بعض المحرّمات عليهم، فأيُّ فائدةٍ في اللوم والعتاب؟

قال أبو حيان: قوله: {أَوَلَا يَعْلَمُونَ} توبيخ من الله تعالى لهم (?)؛ أي: إذا كان علم الله محيطًا بجميع أفعالهم، وهم عالمون بذلك، فكيف يسوغ لهم أن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015