الأسباب من (?): حسره السفر إذا أثَّر فيه أثرا بليغًا، أو عاريا من حسر رأسه، ولا تشكل هذه الآية على ما ورد من فعل السلف الذين خرجوا عن أموالهم في محبة الله ورسوله وصاروا فقراء؛ لأن النهي محمول على من كان يعقبه النّدم والتحسّر، بخلاف السّلف، فلم يوجد منهم التحسر.
والمعنى: أي لا تكن (?) بخيلًا منوعًا لا تعطي أحدًا شيئًا، ولا تسرف في الإنفاق فتعطي فوق طاقتك، وتخرج أكثر من دخلك، فإنك إن بخلت كنت ملومًا مذمومًا عند الناس، كما قال زهير:
وَمَنْ يكُ ذا مالٍ فيبخل بماله ... على قومه يُستغنَ عنه ويُذْمَمِ
ومذمومًا عند الله لحرمان الفقير والمسكين من فضل مالك، وقد أوجب الله عليك سدّ حاجتهما بإعطاء زكاة أموالك.
وإن أسرفت في أموالك فسرعان ما تفقدها فتصبح معسرًا بعد الغنى، ذليلًا بعد العزة، محتاجًا إلى معونة غيرك بعد أن كنت معينًا له، وحينئذٍ تقع في الحسرة التي تقطع نياط قلبك، ويبلغ منك الأسى كلّ مبلغ، ولكن أنّى يفيد ذلك، وقد فات ما فات، فلا ينفع النّدم، ولا تجدي العظة والنصيحة.
وخلاصة ذلك: اقتصد في عيشك، وتوسّط في الإنفاق، ولا تكن بخيلًا، ولا مسرفًا.
روى أحمد وغيره عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ما عال من اقتصد» وأخرج البيهقي عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «الاقتصاد في النفقة نصف المعيشة» وروي عن أنس مرفوعًا «التدبير نصف المعيشة، والتودد نصف العقل، والهمُّ نصف الهرم، وقلة العيال أحد اليسارين»، وقيل: «حسن التدبير مع العفاف خيرٌ من الغنى مع الإسراف».
وإجمال المعنى: لا تجعل يدك في انقباضها كالمغلولة الممنوعة عن